قبل عام من الآن, وتحديدا في31 مارس من العام الماضي كان الكنيست الاسرائيلي قد منح الثقة للحكومة ال32 في تاريخ اسرائيل برئاسة بنيامين نيتانياهو بأغلبية69 صوتا مقابل45 معارضا وفي هذه الايام يتأهب نيتانياهو لتدشين عامه الثاني في ولايته الثانية بعد ان كان امضي عشر سنوات عجاف في البقاء خارج رئاسة الحكم, بعضها كمجرد وزير والاخري علي مقاعد المعارضة. كان نيتانياهو ازيح عن الحكم قبل ان يكمل ولايته الاولي, في الانتخابات المبكرة التي جرت في اسرائيل سنة1999 وخسرها امام منافسه ايهود باراك زعيم حزب العمل الذي دارت عليه الايام ليتولي الآن حقيبة وزارة الدفاع في الحكومة الحالية التي يترأسها بنيامين نيتانياهو. وفي كل الاحوال يبقي نيتانياهو بين خصومه ومؤيديه, وهو في الحكم او في المعارضة, شخصية سياسية مثيرة دائما لكثير من الجدل داخل اسرائيل وخارجها أيضا. كان نيتانياهو عندما اطاح خارجا بذئب السياسة الإسرائيلية العجوز شيمون بيريز في انتخابات عام1996 هو اصغر رئيس وزراء في تاريخ اسرائيل يتولي هذا المنصب وسنه اقل من عمر هذه الدولة. وربما لهذا شاعت تسميته بيبي في ولايته الاولي فيما يلاحظ الان انحسار استخدام هذا الاسم في ولايته الثانية بعد ان اظهر قدرا اكبر من النضج السياسي. كان بيبي نيتانياهو الذي اتي الي الحكم في اسرائيل محمولا علي سمعته كرجل اعلام بارز في الميديا الامريكية قد انهي ولايته الاولي في حالة خصومة ونزاع مع اغلب وسائل الاعلام الاسرائيلية. وكانت ولايته الاولي شهدت ايضا تصاعدا غير مسبوق في توتر العلاقة بين المتدينين والعلمانيين في اسرائيل, فضلا عن توتر علاقته الشخصية بالرئيس الامريكي بيل كلينتون والتي يعزي لها البعض السبب في سقوطه وانزاله عن رئاسة الحكومة في اسرائيل. وعلي الصعيد السياسي, كان بيبي المعروف بمعارضتة الشديدة لاتفاقات اوسلو هو نفسه من انثني سريعا ووقع مع ابو عمار علي اتقاق الخليل في بداية ولايته الاولي, وكان هو ايضا من وقع قبيل نهاية ولايته علي اتفاقية الواي ريفر, مادعي حزب المفدال اليميني للانسحاب من الحكومة التي فقدت اغلبيتها واضطرت للتوجه الي الانتخابات المبكرة التي اطاحت ببيبي من كرسيه في رئاسة الحكومة الي مقاعد المعارضة. وعندما نجح شارون في هزيمة باراك في الانتخابات المبكرة التي جرت في مطلع عام2001 اختار نيتانياهو كوزير للمالية في حكومته فأظهر بيبي كفاءة ملحوظة في انتشال الاقتصاد الاسرائيلي من حالة الركود واعاده الي النمو بمعدلات مضطردة, لكن نيتانياهو عاد وانقلب علي شارون وعارض بشدة قراره بتفكيك المستوطنات والانسحاب الاحادي من غزة, ونظم نيتانياهو سلسلة من الالاعيب الحزبية القذرة التي دفعت شارون للانسحاب اخيرا من حزب الليكود الذي اسسه, وقرر بعدها انشاء حزب كاديما الذي فاز بانتخابات2006 ودفع بنيتانياهو وحزب الليكود الي مقاعد المعارضة ب12 مقعدا فقط. لكن يحسب لنيتانياهو تمكنه بعد ذلك من قيادة الليكود للفوز بالمركز الثاني بعد كاديما في انتخابات2009 بفارق مقعد واحد, ولأول مرة في تاريخ اسرائيل يكلف الحزب الذي لم يفز بأكبر الاصوات بتشكيل الحكومة متخطيا حزب كاديما الفائز بالانتخابات لأن نيتانياهو تمكن من عقد تحالفات ناجحة مع احزاب اليمين وخاصة حزب اسرائيل بيتنا(15 مقعدا) وحركة شاس(11 مقعدا) وضمها مع احزاب يمينية اخري مع حزب العمل(13 مقعدا) في الأئتلاف الذي حصل علي ثقة الكنيست. ورغم الحاح نيتانياهو الشديد علي ضم حزب كاديما الي حكومة وحدة وطنية فإن ليفني قررت البقاء في المعارضة وراهنت سياسيا علي ان حكومة نيتانياهو ستضع اسرائيل علي مسار تصادمي مع الولاياتالمتحدة. والآن في ختام السنة الاولي وعلي عتبة السنة الثانية من حكمه لم يكن لنيتانياهو ما يحتفل به من انجازات سوي انه حافظ علي الائتلاف الحكومي من التفكك وحافظ علي كرسيه في مقر رئاسة الوزراء في3 شارع كابلان بالقدس, وفيما عدا ذلك فإن حسابات وتقويم السنة الاولي من حكمه تكشف لنا عن الملاحظات التالية: اولا: ان نجاح نيتانياهو في الحفاظ علي تماسك ائتلافه الحكومي يقابله فشله حتي الآن في تفكيك حزب كاديما رغم كل مابذله في هذا الشأن من مؤمرات ودسائس لتحريض شاؤل موفاز وآخرين علي الانشقاق علي ليفني, وتفيد نتائج آخر استطلاع للرأي اجرته معاريف الي تغلب كاديما علي الليكود اذا اجريت الانتخابات الآن, وكان استطلاع آخر اجراه مركز داحف يوم25 مارس قد توصل الي نفس النتيجة لكن النتيجة العامة للانتخابات بافتراض اجراؤها الان, ستعود وتعطي الاغلبية مرة اخري لمجموع احزاب اليمين. ثانيا: في ختام السنة الاولي لحكم نيتانياهو اعرب53% من المواطنين عن عدم رضاهم علي ادائها, ونفس الجمهمور يفضل حكومة وحدة وطنية تجمع كاديما والليكود, وهو مايزال يعتقد ان نيتانياهو اكثر مناسبة من ليفني لمنصب رئاسة الوزراء. ثالثا: رغم ميل الجمهور في اسرائيل لجهة اليمين فإنه يفاجئنا بأغلبية من46,2% تؤيدالخطة الامريكية للسلام: حل الدولتين والعودة لخطوط67 وتقسيم القدس مع الحفاظ علي الكتل الاستيطانية وعدم عودة اللاجئين الفلسطينيين لداخل اسرائيل وانما الي دولتهم الفلسطينية فقط. رابعا: ربما لم ينتبه الكثيرون الي انه رغم تصلب وتطرف مواقف نيتانياهو فأنه مع ذلك انقلب علي مواقفه التي دخل بها الي رئاسة الحكومة في غضون العام الاول من ولايته, فبعد ان رفض تماما الاعتراف بحل الدولتين في برنامجه الحكومي وحتي في زيارته الاولي لامريكا عاد واعلن موافقته علي اقامة دولة فلسطينية مشروطة في خطابه في بار ايلان في14 يونيو من العام الماضي, لكن كل الشروط التي ذكرها( دولة مجردة من السلاح وتعترف باسرائيل كدولة يهودية) لم تكن جديدة وكنا سمعناها من قبل من باراك في كامب ديفيد سنة2000, ومن شارون في اللطرون سنة2003, ومن اولمرت في انابوليس سنة2007. ومن جهة اخري لم ينتبه البعض ايضا الي ان نيتانياهو هو اول رئيس وزراء في تاريخ اسرائيل يعلن عن تجميد جزئي للاستيطان في الضفة الغربية لعشرة شهور, ورغم انه لم يتقيد تماما بهذا الاعلان فأنه ينفرد مع ذلك بهذه السابقة, وقد يكون من المبكر جدا القفز الي استنتاجات متسرعة فلاتزال امام نيتانياهو الكثير من المسافات التي عليه ان يقطعها قبل ان يقترب من نموذج مناحم بيجن او حتي ارائيل شارون. خامسا: ان موقف نيتانياهو من الاصرار علي الاستيطان في القدسالشرقية لايحظي باجماع قومي في اسرائيل, فالجمهور هناك منقسم علي نفسه بشأن هذه المسألة, صحيح ان اغلبية من51% تؤيد الاستمرار في البناء لكن يقابلها46% تدعو الي تجميد الاستيطان في القدس, حسب استطلاع اجري في عز الازمة يوم19 مارس الماضي. سادسا: ان السنة الاولي لحكم نيتانياهو انتهت الي وضع اسرائيل علي مسار خلافات متصاعدة مع امريكا, وقد انعكست هذه الحالة بشدة علي الوضع الاسرائيلي الداخلي, ورأي48% من الجمهور هناك ان وضع اسرائيل الدولي سيء, وفي اوج ازمة الخلاف بين نيتانياهو واوباما أظهرت نتائج استطلاع للرأي ان69% في اسرائيل تعتقد ان موقف اوباما من اسرائيل موضوعي وودي, في مقابل21% رأوا ان موقفه من اسرائيل يتسم بالعدائية. هذه المعطيات تشكل تقويما اوليا للسنة الاولي التي انقضت من حكومة نيتانياهو والتي مرت من دون اي احتفالات تذكر وفي صمت مشوب بكثير من مظاهر القلق, صحيح ان نيتانياهو لم يسقط بعد ولم يتصدع كثيرا لكنه مع ذلك لايمكن ان يتعايش طويلا مع هذه الوضعية القلقة, وقد يكون مضطرا باسرع مما يتصور للاختيار بين البقاء في حظيرة واحدة مع ليبرمان زعيم اسرائيل بيتنا وايلي يشاي زعيم حركة شاس, وبين دفع التوترالحالي مع امريكا الي مستوي الازمة. كان كل رؤساء الوزارات السابقين علي نيتانياهو من بن جوريون الي اولمرت ومن بينهما اجتازوا العام الاول في الحكم بقدر متفاوت من السلامة لكن منذ عهد اسحق رابين والي اولمرت ومن بينهما ايضا لم يكمل اي رئيس وزراء ولايته كاملة المقررة باربع سنوات واضطر الجميع الي خوض انتخابات جديدة مبكرة, وهاهو نيتانياهو يعبر عامه الاول في الحكم من دون مرابح وفيرة لكن ايضا من دون خسائر قاسية, والاختبار الحقيقي لنيتانياهو بدأ لتوه مع بداية العام الثاني من ولايته الثانية.