لا يكفي تكرار الإعدام 12 ، مرة و السجن المؤبد 19 مرة في مشروع قانون لا تتجاوز عدد مواده الخمس والخمسين مادة منها سبع عشرة تحت فصل الجرائم والعقوبات كي نضمن جدية مواجهة الإرهاب. فمكافحة الارهاب في عام 2015 وبعد القاعدة وداعش مهمة أعقد وأكثر شمولا من مشروع القانون المطروح حاليا ،والذي يبدو ان عاطفة انتقام وقتية صرفة قد تملكت كتابة نصوصه . فجاء قاصرا حين وجب عليه الاحاطة . فضلا عن انه وللمفارقة استعدي نقابة الصحفيين و المجلس القومي لحقوق الانسان وغيرها من هيئات المجتمع المدافعة عن الحريات .وهذا لأنه توسع فيما لا يجب . واعتدي على ما لا يجوز الاعتداء عليه، بما في ذلك نصوص الدستور .وكذا حرية الصحافة والحق في استقاء المعلومات وتداولها . ولقد قرأت مشروع قانون مكافحة الارهاب وغسيل الأموال في تونس الذي يناقشه البرلمان هناك منذ شهور ومازال .ولم اكتف بمطالعة النص بتمعن ومقارنته بمشروع القانون المطروح في مصر الآن .بل استمعت لمقاطع صوتية مطولة الى نقاشات طلبتها من أصدقاء في تونس . ومع ان هذا المشروع مثار انتقادات أيضا إلا ان النسخة التونسية تبدو أكثر تطورا .فهي على سبيل المثال تنص على استحداث لجنة وطنية لمكافحة الإرهاب . تعد الدراسات والتقارير و تقترح التدابير وسبل المكافحة و تتابع تنفيذ القرارات وتتعاون مع المجتمع المدني و المنظمات الدولية و تنشر الوعي الاجتماعي .وهذا في سياق التعامل مع الإرهاب كظاهرة متعددة ومركبة الأبعاد وليس مجرد جرائم تستوجب العقاب الرادع وحسب . ومع هذا فان جانبا من النقاشات التي استمعت اليها تنتقد مشروع القانون لتخلفه عن معالجة جرائم كالتكفير ضد الأفراد والجماعات و التهجير القسرى والقتل على الهوية وسبي النساء واسترقاق البشر و استعمال الأطفال في النزاعات المسلحة. وأيضا الجرائم المتعلقة بالآثار وتدمير التراث البشري و الإعلان عن كيانات معادية و موازيه للدولة . ولقد توقفت عند عبارة قيلت عن أن مشروع القانون لا يجاري تطورات الظاهرة الإرهابية بعد ظهور داعش و يتوقف عند إرهاب القاعدة ليس إلا . ومن هنا طرحت السؤال على نفسي : وهل بلغ مشروع القانون المطروح علينا هنا في مصر أصلا زمن القاعدة ؟. وحقيقة كنت أتمنى ان يدور النقاش في بلادي بهذه الكيفية ويتطرق الى مثل هذه المساحات . لكن المشكلة اننا اصطدمنا وروعنا بنصوص قانون تغلو في الاعتداء على الحريات والحقوق و المجتمع وتنتهك مواد دستور لم يجف مداده بعد . وبعض هذه النصوص يضرب الصحافة والإعلام في مقتل ويتعامل معها وكأنها في قبضة الستار الحديدي وقبل عصر الانترنت والسماوات المفتوحة . ويضع عقوبات السجن ضد الصحفيين والإعلاميين بما يخدم في النهاية الإرهاب . ومن حيث لا يدري . و لأن سن تشريع يقيد من استقاء الانباء وتداولها ونشرها ليس من قبيل العبث في هذا الزمان وحسب . ولكنه أيضا خير هدية للإرهاب والارهابيين حين يمنح التغطية و الحصانة لارتكاب الاخطاء والتقصير من جانب الجهات المنوط بها ملاحقة الإرهابيين والتصدي لهم ميدانيا . واذا كانت الأخطاء هنا تحتاج عون الإعلام والمجتمع لتصحيحها فان اخطاء الإعلام يصححها هو بنفسه بحكم طبيعته التعددية ومعيار المصداقية الذي لا يرحم من يعبث به . وكان الأجدي ان يركز مشروع القانون على مواجهة الإرهاب كظاهرة متطورة ويوفر ضمانات رفع كفاءة أجهزة المكافحة . في النسخة التونسية مادة ( رقم 20) تثير أيضا سخط الصحفيين ودعاة الحرية هناك . لكنها لا تبلغ بأي حال غلو وغرابة المادة 33 وأربع مواد أخرى عندنا. والمادة التونسية تتعلق باذاعة اخبار مزيفة عن سوء قصد تتسبب في الحاق الاضرار بسلامة الطائرات و السفن المدنية اثناء ملاحقة الإرهابيين . لكن هناك حساسية ضد عودة عقوبة الحبس في قضايا النشر عند مجتمع الغي هذه العقوبة في قانون الصحافة والإعلام منذ أربع سنوات وأكثر . وخصوصا ان الممارسة العملية هناك كشفت عن ثغرة ابقاء هذه العقوبة متناثرة في قوانين أخري متفرقة . ولا شك ان التجربة المصرية بدورها تدعو للعض بالنواجز على المكسب الديمقراطي المجتمعي الذي جاء في المادة 71 من الدستور الجديد بشأن حظر هذا الحبس إلا في ثلاث حالات محددة هي التحريض على العنف والتمييز والطعن في أعراض الأفراد . وإذا كان المنطقي تنقية مختلف القوانين القائمة من مثل هذه العقوبة في جرائم النشر، وان نسير في اتجاه قانون موحد للصحافة والإعلام، فإن غير المنطقي ان يسن المشرع بعد هذا النص الصريح في الدستور المزيد من عقوبات الحبس في قوانين اخرى.كي تبقي شبحا يطارد الصحافة والإعلام هنا وهناك ومن حيث لا تحتسب. بل من غير المنطقي القبول باستبدال الحبس في المادة 33 هذه بغرامة باإغلاق وافلاس الصحف ووسائل الإعلام. ولعل خير مااستمعت اليها في النقاشات التونسية ان النجاح في المعركة ضد الارهاب يتلخص بالانتصار على الارهابيين مع احترام قيم الديمقراطية والحرية والعدالة والمحاكمة العادلة والدستور، فيما ينتصر الارهاب انتصارا ناجزا لو ضحينا بهذه القيم . ومابالنا لو خسرنا هذه القيم وبقي الارهاب . ألا نكون قد منحنا الإرهابيين هدية العمر . لمزيد من مقالات كارم يحيى