تزايدت موجة الإرهاب وتعددت صوره وجرائمه .. وضج الناس من نتائجه وآثاره ، وباشرت النيابة العامة التحقيقات .. منها ما أحيل إلى محكمة الجنايات .. حيث تجرى المحاكمات علناً وأمام الناس .. حتى لو كان النشر مباحاً وهو الأصل ، أو محظوراً وهو استثناء .. وتستمر جلسات المحاكمة بدءاً من تلاوة قرار الإحالة وقائمة الاتهام وأدلة الثبوت .. ثم فض الأحراز .. والتأجيل للاطلاع .. ثم مرافعة النيابة وبعدها يأتى الدفاع عن المتهمين ليمارس حقه فى المرافعة والدفاع من استدعاء شهود النفى أو تقديم قائمة بالشهود مهما بلغ عددهم ، أو مناقشة شهود الإثبات .. ومواجهة الأدلة .. وتستمر الجلسات وقد تتطلب تعقيباً .. ورداً .. تصل أحياناً إلى التراشق بالألفاظ أو الإشارة ، ووسط ذلك كله يجرى ابتداع الأسباب والمبررات للتأجيلات ، وربما رد القضاة .. مهما كانت الظروف !! فإذا ما صدر الحكم .. كان من حق المتهم أو النيابة الطعن فى الحكم بالنقض خلال ستين يوماً .. ثم ينتظر الطعن دوره أمام محكمة النقض واقفاً فى الطابور ، حيث يحال بعدها إلى نيابة النقض لإعداد تقرير بالرأى .. وتحدد بعدها جلسة لنظرة والمرافعة فيه .. فإذا نقضت المحكمة الطعن لوجود عوار بالحكم إحالته إلى محكمة الجنايات لتبدأ سيرتها من جديد أمام دائرة أخرى بالجنايات ، وبعد صدور حكم للمرة الثانية ، يبدأ الطعن أمام النقض مرة أخرى ، وهكذا تمضى بنا السنوات حتى تكاد الناس تنسى الفعل والذنب الذى يحاكم عنه المتهمون !! هذه هى الإجراءات وفقاً لقانون الإجراءات الجنائية الصادر منذ عام 1950 ، وقانون العقوبات الصادر منذ عام 1937 ، وما طرأ عليهما من تعديلات طفيفة ومحدودة للغاية ، فهل تصلح هذه النصوص والإجراءات .. مع طول الزمن .. لمواجهة الجرائم وقضايا الإرهاب المعاصرة التى نراها تتكرر كل يوم وتزداد شراسة وخطراً !! سؤال مطروح وملح وعاجل !! وفى البداية فإن الدولة مسئولة دستورياً عن حماية أمن الوطن والمواطنين .. وهى مسئولة أيضاً عن تحقيق العدالة الناجزة أى السريعة ، ويعد بطء إجراءات التقاضى حتى ولو تحققت بعدها العدالة نوع من الظلم ، وقيام مسئولية الدولة عن مواجهة الإرهاب بكل صوره وأشكاله وتعقب مصادره وتمويله .. وإعداد الأحكام والإجراءات لمكافحته والتعويض العادل عن الأضرار الناجمة عنه وبسببه .. هذه المسئولية تقوم بحكم اللزوم وبغير نص ، ومع ذلك فلقد ورد هذا الالتزام تحديداً وبنص صريح فى دستورنا الجديد بالمادة 237 . تعالوا بنا أيها السادة نناقش هل يمكن تعديل تلك المنظومة لمواجهة الإرهاب بإجراءات سريعة .. عادلة وناجزة .. وعلينا أن نتذكر كلمات رئيس الجمهورية بمناسبة تلك الجرائم النكراء والاغتيال الخسيس الذى وقع على رمز العدالة وصوت الحق النائب العام ، أثناء الجنازة العسكرية .. أن الإرهابيين فى السجون يصدرون الأوامر بارتكاب الإرهاب .. ونحن نعاملهم بالقانون ، وتتجدد جرائم الإرهاب كل يوم ولعل ما جد بعدها من جرائم الحرب والإرهاب بشمال سيناء والشيخ زويد وبانتصار عظيم ، خير شاهد ودليل . والسؤال هل القانون عاجز عن مواجهة الإرهاب بإجراءات سريعة وعاجلة وناجزة !! هذه الجرائم التى ترتكب بالعبوات الناسفة وبإصدار الأوامر عن بعد بالريموت كنترول ، وهل تكفى التشريعات وحدها لمواجهة الإرهاب ولنتذكر أن هناك قاعدة أصولية تقول إن الجزاء يجب أن يكون معاصراً للذنب .. وأن يكون مناسباً وعلى قدره ، ليحدث أثره فى الردع والزجر وتتحقق به الفلسفة العقابية ، اذ بمضى الزمن تفقد العقوبة أثرها وهو ما يتعين على التشريعات والقائمين على تطبيقها مراعاة ذلك الأعتبار !! ما معنى أن يكون لدينا « سبع دوائر « بمحكمة الاستئناف فقط هى التى تحاكم الإرهاب، وتعقد جلساتها بالتناوب فى دور العدالة التى لا تستوعب كم القضايا أمام المحاكم ، كماً وكيفاً ، لهذا وجب علينا أن تُزيد عدد الدوائر ودور المحاكم وسرايا العدالة .. حتى يستمر عقد الجلسات .. المتواصلة ..لتتحقق المحاكمات العاجلة وأمام القاضى الطبيعى لنصل بها إلى العدالة الناجزة . كذلك ما معنى أن يحدد موعد للطعن بالنقض ستين يوماً من تاريخ صدور الحكم .. وهى مدة طويلة ، يكفى لها ثلاثون أو أقل أو أكثر قليلاً .. والأهم عندما تنظر محكمة النقض الطعن .. ألا تنتظر دورها فى الطابور على كثرة الطعون .. اذ يجب البحث عن نظام لمواجهة قضايا الإرهاب خارج الطابور الطويل لقضايا النقض ، فاذا ما نظرت الطعون ورأت محكمة النقض نقض الحكم ، فلقد آن الأوان أن تفصل فى الطعن وإستدراك ما أصاب الحكم من عوار ، بدلاً من أن تنقض وتعيد المحاكمات من جديد أمام محكمة الجنايات . ويتطلب الأمر فى قضايا الإرهاب زجراً وردعاً بإجراءات عادله ومحاكمات سريعة .. وناجزة .. وعندئذ يمكن مواجهة الإرهاب .. وتحقيق العدالة بالقانون وعلى أيدى رجال القضاء أنفسهم!! ومنذ أيام أعدت الحكومة مواد مشروع قانون لمواجهة الإرهاب ، تستهدف به تحقيق العدالة الناجزة والجزاء الرادع فى مواجهة صور الإرهاب أو الأفعال المؤديه له ، لكن المؤسف أنه ما أن عرض المشروع على مجلس القضاء الأعلى حيث أبدى بعض الملاحظات الإجرائية ، وأعيد إلى الحكومة لعرضه على مجلس الدولة ، ألا وقد حظى باعتراضات عديدة ، واتهامات متبادلة ، وسرعان ما نفض البعض يده عن مسئوليته عن بعض مواده ، وألقى بالمسئولية على الأخرين رغم أنه الوزير المسئول ، وكانت أشد الاتهامات أن بعض مواد المشروع تخالف الدستور وتهدد حرية الصحافة ، وتطلق يد السلطة فى مواجهة مرتكبى جرائم الإرهاب ، وسرعان ما أطلقت التصريحات .. والتهديدات .. وعقدت المؤتمرات .. ومازالت مواد المشروع فى أول الطريق فى هذه الظروف الاستثنائية لمواجهة جرائم ضد الوطن ، تهدد حياته وحياة المواطنين ، وتتطلب الارتفاع بالنقاش أو الخلاف بالحكمة والموضوعية والانحياز لقضايا الوطن ، فالنصوص تخص جرائم الإرهاب بقصد مكافحته بكل صوره ومصادر تمويله ، وقد جمعت عدة مواد بقانون العقوبات منذ عام 97 .. وكذلك صور الاشتراك فى التحريض والتسهيل والمساعدة بشتى الوسائل التى تمهد إليه أو تؤدى إليه .. سواء بطريق النشر أو بالفعل .. أو بالتمويل .. فلا أحد فوق المساءلة أو الحساب .. ولا أحد يملك مصادرة الحق فى النقاش ولا أحد يملك توجيه الاتهام ، فالمصالح العامة تعلو على المصالح الجماعية أو الخاصة ، والمصلحة ذات المرتبة الأعلى ترجح على الأقل منها .. وهى كلها قواعد وأصول فى الموازنة بين المصالح فى التشريع ، ومن المؤكد أن مصالح الوطن العليا وهى متكاملة .. وغير متعارضة .. ولا تنفصل احداهما عن الأخرى تعلو فوق أى مصالح أخرى مهما كان شأنها ، فلقد انتهى زمن افتعال الأزمات .. واصطناع البطولات ، ولم يعد لدينا رفاهية الثرثرة .. لأننا جميعاً فى خندق واحد ضد جرائم الإرهاب ، فلتنتبهوا أيها السادة المتحدثون فكلنا مسئولون أمام هذا الوطن ومسئولون عنه وعن أمنه وسلامته وسلامة أبنائه وفى النهاية لن يصح إلا الصحيح !! لمزيد من مقالات د . شوقى السيد