يبدو أن المساعدات الضخمة, سواء المالية أو العسكرية أو السياسية, التي تقدمها الولاياتالمتحدة لإسرائيل لم تترك لها أي نفوذ علي السياسات الإسرائيلية. بل العكس كان صحيحا. فلقد أصبحت إسرائيل هي التي تشكل سياسة واشنطن في الشرق الأوسط. ونادرا ما حدث مثل هذا المثل الصارخ في التاريخ وهو أن يسحب الذيل الكلب وراءه. جاءت هذه الكلمات للكاتب البريطاني باتريك سيل المتخصص في شئون الشرق الأوسط, بأحد مقالاته السابقة, وهو ما يعبر عن حقيقة الدور الذي تلعبه إسرائيل في سياسة أمريكا الخارجية, فبالرغم من أن أمريكا هي التي تعطي وتمنح إلا أن إسرائيل هي التي تقودها وفقا لأطماعها. في الوقت الذي صوت فيه مجلس حقوق الإنسان في الأممالمتحدة لصالح إيفاد بعثة لتقصي الحقائق إلي إسرائيل والضفة الغربية لتفقد النشاط الاستيطاني في الضفة والقدس الشرقية, وذلك عقب إصداره قرارا أدان فيه هذه الأنشطة وكيفية تأثيرها علي حقوق الفلسطينيين المدنية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وقد تبني القرار أغلبية الأصوات, وامتنع البعض عن التصويت, وصوتت الولاياتالمتحدة وحدها ضد القرار, متحدية موقف الأغلبية, في الوقت الذي ترفع فيه دائما شعار الدفاع عن حقوق الإنسان. وعلي صعيد آخر, يحدد باتريك سيل الأخطاء الاستراتيجية الستة التي ارتكبتها إسرائيل خلال العقود الأخيرة, وأولها رفضها السماح بقيام دولة فلسطينية, وسعيها الدائم لعرقلة أي تقدم في هذا الاتجاه. وتوسيع المستوطنات اليهودية علي الأراضي الفلسطينية المحتلة, مترافقا مع نية واضحة لإنشاء إسرائيل الكبري, هو خطأ إسرائيل الاستراتيجي الثاني. أما الخطأ الثالث, فهو دعوة نيتانياهو الدائمة إلي شن حرب علي إيران, لضمان هيمنة إسرائيل العسكرية المستمرة. وإصراره علي السيطرة علي الدول المجاورة لإسرائيل بالقوة والوسائل العسكرية التي تقدمها له الولاياتالمتحدة. هذا الموقف العدائي, كما يري الكاتب, هو خطأ إسرائيل الاستراتيجي الرابع. أما خطؤها الخامس, فهو بلاشك سلوكها حيال قطاع غزة من شن عمليات عسكرية واسعة النطاق, ويصل الكاتب إلي أن إخفاق إسرائيل في أن تدرك أن الوقت حان لإحلال السلام وليس لشن الحرب هو خطؤها الاستراتيجي السادس, وربما الأكثر فداحة. ومرة أخري تتجدد التساؤلات حول مستقبل قضية العرب, القضية الفلسطينية مع انشغال دول الربيع العربي بمشاكلها الداخلية, واستمرار الانقسام الفلسطيني وعجز فتح وحماس عن توحيد كلمتيهما, واستمرار إسرائيل في خطط الاستيطان والتهويد في تحد للعالم كله. فهل نتوقع أن يكون مجلس الأمن أكثر تعاطفا مع قضيتنا منا نحن العرب؟ وهل ستتبقي في النهاية أرض للفلسطينيين ليبنوا عليها دولة لهم؟