بكل تأكيد زيارة الرئيس السيسى اليوم لألمانيا ومباحثاته المرتقبة غدا مع المستشارة أنجيلا ميركل، تمثل أهمية قصوى للجانبين، خاصة للجانب المصري، حيث ستعتبر فتحا جديدا لأبواب وثغرات فى جدار أزمة مصرية ألمانية كانت قائمة ومكتومة منذ ثورة 30 يونيو، خاصة أن الطرف الألمانى كانت لديه مواقف ضبابية شائكة بشأن أحداث الداخل المصرى بعد تلك الثورة، واتخذ مواقف ملتبسة بحق مصر منذ ذلك الوقت بفعل قوة وزخم الدعاية السلبية والصورة المغلوطة التى نجح للأسف أنصار جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية فى نقلها وتكريسها لدى الإعلام وصناع القرار، وداخل أروقة المستشارية الألمانية، وقد يكون ذلك بفضل الوجود الملموس لأنصار وتابعى وقيادات تمثل خلايا نائمة للإخوان فى ألمانيا، حيث يعتبر هذا البلد خاصة العاصمة برلين وميونخ هما المحطة الثانية لتمركز وتموضع أنصار هذه الجماعة بعد بريطانيا، حيث فى ألمانيا كما لندن يوجدون بكثافة عددية ولهم أنشطة سياسية ودينية واقتصادية منذ الخمسينيات والستينيات، وبالتالى استطاعوا إنشاء وتكوين منصات سياسية وإعلامية أقنعت السلطات الألمانية طيلة السنوات الماضية فى توفير مظلة سياسية ودعائية بل وربما حكومية فى بعض الأحيان من قبل المستشارية لهم، وهذا هو الأمر الذى أكسبهم شعبية وحضورا بلغت ذروته طيلة الأشهر الماضية، حيث كان هؤلاء الأتباع والناشطون لقيادات الإخوان حجر عثرة وحائط صد أمام حدوث أى اختراق لإنقاذ وإنعاش العلاقات المصرية الألمانية. ولذا كنت من الذين طالبوا وشددوا على ضرورة إتمام زيارة الرئيس السيسى لألمانيا فى موعدها، وعدم تأجيلها أو إلغائها بالرغم من المناوشات والخروقات التى تلت تحديد موعد الزيارة فى الأيام الماضية، خاصة تلك المواقف السلبية المسبقة لرئيس البرلمان الألمانى «البوندستاج»، بشأن ترتيب لقائه بالرئيس السيسى من عدمه، ومن أيهما طلب اللقاء ومن رفضه. لكن حسنا فعل الجانبان سواء المستشارية الألمانية، أو مؤسسة الرئاسة المصرية صنعا، بمعالجة هذا الأمر بحكمة وحنكة سياسية ودبلوماسية وقررا احتواء مثل هذه المناوشات فى الحين، وإبلاغ رسالة صريحة مدوية لبعض المتربصين لمنع أو حجب وتعطيل هذه الزيارة، أنهما مصممان على اتمامها فى الموعد والزمان المحددين ووفق جدول الأعمال بكل تفاصيله وترتيباته المتفق عليها. وبالتالى فإننى أرى أن التصميم والعزيمة على إجراء الزيارة يمثل نصف نجاح والنصف الآخر متوقع خلال الزيارة، عبر توسيع دائرة الاتصال والمشاورات المرتقبة للرئيس والوفد المصرى مع عديد ألوان الطيف السياسى والاقتصادى والصناعي، فضلا عن كبار مسئولى الشركات الألمانية. مع الأخذ فى الاعتبار، أن نتاج هذه الزيارة على عديد الأصعدة سيكون دون أدنى شك، فى مصلحة الدولة والشعب المصري، فعلى الصعيد السياسى سننجح فى تحريك الموقف الألمانى لتعديل وتثبيت مواقفه بشأن التعاطى بإيجابية مع الواقع المصرى الجديد بعد ثورة 30 يونيو، وإقناع ألمانيا بتغيير مواقفها بشأن قطع أو تجميد أو وقف أى انعطافة أو تعاطى مع أنصار تلك الجماعة الإرهابية باعتبار أن الإخوان هم أصل البلاء لكل تنظيمات الإرهاب فى المنطقة والعالم. ولا ننسى التشديد فى المباحثات مع الجانب الألماني، على ضرورة اقناعه بالإسراع بإحداث حالة طلاق بائن بين ألمانيا الرسمية ممثلة فى المستشارية، وكل أجهزة الدولة هناك مع جماعة الإخوان، فى أثناء وبعد هذه الزيارة تماما، وأحسب أن النجاح فى مثل هذا الأمر يتوقف على شكل وحجم ومضمون الأدلة التى يجب أن يحملها الوفد المصرى المصاحب للرئيس وتشارك فى إعدادها جميع قطاعات أجهزة الدولة وخاصة العليا والسيادية، لنقلها للألمان وإطلاع أصحاب القرار فى بون عليها حتى تؤتى هذه الزيارة ثمارها فى الحال. وعلى الصعيد الاقتصادى والصناعي، فكلنا يعلم أن رغبة ونهم الشركات الألمانية الكبرى للاستثمار والتموضع فى مصر فى المرحلة الحالية والمقبلة، هى من أجبرت ألمانيا الرسمية والمستشارة ميركل على الإسراع بإحداث هذا الفتح والتطور سريعا لتطبيع العلاقات مع صناع القرار الجدد فى مصر. ولذا فحجم توقيع الاتفاقيات والتعاون الاقتصادى خلال هذه الزيارة سيثير شهية وحفيظة العدو قبل الصديق، حيث هناك خطة طموح للجانب المصرى للاستعانة بالشركات الألمانية والاعتماد عليها لتكون الرقم الصعب والمركب فى ضخ دماء مشروعات التنمية الجديدة والعملاقة التى تخطط لها مصر خلال السنوات الأربع المقبلة، والتى ستكون جسر مصر إلى المستقبل الاقتصادى والتنموي. ودون مبالغة، فوائد وثمار زيارة ألمانيا ستكون أكثر مما يتوقعه البعض، بشرط أن يستغل الجانب المصرى هذه الجولة فى التفاهم المصرى الألماني، كل التفاصيل حتى لو كانت بسيطة، لإقناع الألمان بتشكيل رافعة سياسية لمصر فى الاتحاد الأوروبى ومظلة اقتصادية وتنموية خاصة أن ألمانيا بلد حيوى وناجح ويمكن الاعتماد عليه بشكل كبير، نظير المصداقية والقوة والحضور التى تحظى بها سياساتها فى العالم. وتبقى مهمة أخرى للرئاسة والدبلوماسية المصرية، وهى ضرورة التحرك لتحقيق اختراق وفتح مماثل لمصر فى علاقاتها مع بريطانيا، حيث إن هذا البلد يحتاج إلى جهد وحركية أكثر، ولتكن تلك هى المهمة المقبلة للرئيس السيسى وعليه التخطيط لها من الآن، وتحديد الأدوات وفرق العمل لإحداث هذا الاختراق المطلوب فى قلب لندن، لتنتهى على الفور أسطورة تفوق وحضور جماعة الإخوان بقوة فى بريطانياوألمانيا معا ونغلق هذا الملف تماما، وبالتالى نكسر أقدامهم هناك. لمزيد من مقالات أشرف العشري