الارتباك والغموض هما أبرز المشاهد التي تسيطر علي تشكيل الجمعية التاسيسية للدستور!.. بعد انسحاب عدد غير قليل من أعضاء الجمعية, بسبب ما وصفوه بتعمد إقصاء القوي الوطنية عن الاشتراك في صياغة الدستور الجديد. الأمر الذي يطرح العديد من التساؤلات حول مصير الجمعية الحالية, خاصة بعد إعلان عدة أحزاب وحركات سياسية تأسيس مبادرة وطنية جديدة, لتشكيل جمعية وطنية لوضع دستور يعبر عن كل قطاعات وشرائح المجتمع المصري. الأمر لا يتعلق في رأي الدكتور سيف الدين عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة بتشكيل الجمعية التأسيسية, ولكن بالمعايير التي تم التشكيل علي اساسها, وكذلك النسبة المطلوبة من داخل البرلمان ومن خارجه, فضلا عن الشكل المتعلق بالتمثيل القانوني والدستوري, وكان يجب وضع تصور علي الورق ليكون الاختيار لعضوية الجمعية بالصفات وليس بالاشخاص, وكان يجب أن تضم الجمعية خبراء القانون الدستوري والعلوم السياسية المختصين في هذا الشأن, كما أنه كان من الضروري أن يتم تشكيل الجمعية بنسبة90% من خارج البرلمان بغرفتيه( الشعب والشوري), مع إمكانية الاستعانة بالكفاءات القانونية والدستورية من داخل البرلمان وهم لا يشكلون أكثر من10% في اقصي تقدير, ولا شك أن الانسحاب من عضوية الجمعية يعكس مؤشرات خطيرة علي أن تشكيلها لم يحدث بشكل توافقي, والدستور يجب أن يحظي بتوافق من كل القوي السياسية, وجميع أطياف المجتمع, أما تعويض المنسحبين بالمرشحين الاحتياطيين فهو ليس إلا استمرار للأزمة, وفي رأيي أن المسئول الاول عن هذه الازمة هو المجلس العسكري الذي لم يحدد منذ البداية وضع اللجنة التأسيسية, ولم يسع إلي خلق توافق مجتمعي حولها. أزمة حقيقية في حين يري الدكتور عمرو حمزاوي عضو مجلس الشعب, والذي انسحب مؤخرا من عضوية الجمعية التأسيسية للدستور أنه إذا تجاوز عدد المنسحبين من عضوية الجمعية21 عضوا سواء من مجموعة ال50% من داخل البرلمان, أو من مجموعة ال50% من خارجه فإنه لابد من إعادة انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية مرة أخري, والاهم من ذلك من الناحية السياسية هو ضرورة إعادة النظر في تشكيل هذه الجمعية حتي لو أن الانسحابات التي تمت دون المشكلة الاجرائية, ولاشك أن انسحاب البعض من أعضاء الجمعية يعني أننا أصبحنا أمام أزمة حقيقية, وأتمني من الأغلبية بأن تكون من الرشادة والعقلانية بما يسمح بإعادة تشكيل الجمعية التأسيسية وفق معايير تستند إلي الكفاءة والتوازن, بما يؤدي إلي تمثيل كل أطياف المجتمع المصري, موضحا أن التشكيل النهائي للجمعية التأسيسية لوضع الدستور بعيد كل البعد عن مراعاة معايير الكفاءة والتمثيل المتوازن للأطياف السياسية والمجتمعية المختلفة, رافضا في الوقت نفسه تهميش المرأة والشباب والأقباط في الجمعية, وكذلك استبعاد الكثير من كفاءات مصر القانونية والاقتصادية, وتقديم أهل الثقة عليهم بالمعني السياسي الضيق, كما أن تشكيل الجمعية تم علي نحو يغلب معيار الولاء علي معيار الكفاءة, ويبتعد عن تمثيل متوازن يترجم لعمل توافقي من أجل خروج الدستور الجديد بصورة تليق بمصر بعد الثورة. التأسيسية فقدت شرعيتها الجمعية التأسيسية كما يقول نبيل زكي المتحدث الرسمي باسم حزب التجمع- فقدت شرعيتها, ومصداقيتها بعد انسحاب عدد من أعضائها, ورفض القوي السياسية المدنية المشاركة فيها, لأن تشكيلها يعكس إصرار الأغلبية البرلمانية علي الانفراد بوضع الدستور, والتحكم في كل مادة من مواده, فضلا عن سيطرة تيار بعينه علي النظام السياسي القادم, خاصة أن نسبة ال50% التي اختارها البرلمان هي التي اختارت ال50% التي جاءت من خارجه للمشاركة في وضع الدستور, ولا شك في أن معظم من اختيروا من الخارج يتخذون نفس مواقف من اختاروهم, كما أنهم يدينون لهم بالولاء, ومن ثم يشكل هؤلاء70% من أعضاء الجمعية التأسيسية, في المقابل تم تهميش القوي المدنية, وفئات المجتمع المختلفة والتي تعبر بشكل حقيقي عن أطياف المجتمع وتوجهاته, وبانسحاب الاقلية من عضوية التأسيسية تصبح الجمعية بلا وجود, وحتي لو صممت الاغلبية علي الاستمرار في التشكيل الحالي بضم الاحتياطي فإن الدستور سوف يولد ميتا, ولن يعترف به أحد, ناهيك عن التحديات التي تحاصر هذه الجمعية, من حيث الطعن علي البرلمان الحالي الذي يضم50% من أعضاء الجمعية التأسيسية, إلي جانب الدعوي القضائية الخاصة بالطعن علي تشكيل الجمعية استنادا علي حكم المحكمة الدستورية الصادر في ديسمبر1994 والذي قضي بعدم جواز قيام سلطة من السلطات الثلاث التشريعية أو التنفيذية أو القضائية بالانفراد بوضع الدستور, انطلاقا من أن الهيئة التي تضع الدستور ينبغي أن تعلو فوق كل هذه السلطات, ولاعتبار أن الدستور هو الذي يخلق المجلس التشريعي وليس العكس. أما ما يثار حول تعويض الانسحابات التي تمت من عضوية الجمعية التأسيسية بالاسماء الاحتياطية المرشحة فهذا لايعدو كونه هزلا في موقع الجد, لاسيما أن منهم من تسري عليهم نفس القاعدة المتعلقة بالولاء للأغلبية البرلمانية, مشيرا إلي أن الاغلبيات البرلمانية يجب ألا تضع الدستور, لأن الأغلبيات قد تتغير, والدستور باق, وهو ليس دستورا للأغلبية لكنه دستور لكل المصريين. ** قلت: لكن البعض يتعلل بأن الدستور سيطرح للاستفتاء الشعبي, وأن الشعب هو صاحب الكلمة الاولي والاخيرة فيه.. ؟! - المتحدث الرسمي لحزب التجمع: نظام الاستفتاء غير ديمقراطي, وقد اخترعه الامبراطور نابليون الثالث في فرنسا لتكريس الاستبداد والديكتاتورية, ثم كيف يمكن أن يكون الاستفتاء معبرا عن الديمقراطية, وعن رأي الشعب في حين أنه سيكون بنعم أو لا.. وربما يكون للشعب رأي بالموافقة علي مواد في الدستور, ورفض مواد أخري.. والاستفتاء لا يمكن أحد من التعبير عن رأيه في كل مادة من مواده, ومن ثم هو في النهاية حق يراد به باطل! التاريخ يعيد نفسه وفي تعليقه علي تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور, وانسحاب البعض منها, يقول الدكتور يحيي الجمل الفقيه الدستوري: كنت أتصور أن تسير الامر بصورة أفضل مما حدث, لان مصر تستحق أفضل من ذلك, لكن للأسف الشديد, فإن ما حدث في تشكيل الجميعة التأسيسية يعني أن التاريخ يعيد نفسه مرة أخري, مثلما فعل أحمد عز في الانتخابات البرلمانية التي تمت في عام2010, والتي كانت مسرحية هزلية وليست انتخابات برلمانية, فقد لاحظت أن هناك فريقا من الناس يريد الاستئثار بكل شيء, ويريد إقصاء الآخرين عن كل شيء, ويجب أن يعي الفرقاء أن مصلحة الوطن فوق الجميع, ومن ثم فإنني سأطعن علي قرار تشكيل الجمعية التأسيسية لأنه قرار إداري وليس برلمانيا من وجهة نظري الدستورية والقانونية. مطلوب توافق وطني وبشكل عام, فإن الانسحابات التي تمت من عضوية الجمعية التأسيسية للدستور- كما تقول المستشارة تهاني الجبالي نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا- تهدم مصداقية وشرعية الجمعية التأسيسية, والتي إذا لم تحظ بتوافق وطني فهي معيبة بكل المقاييس منذ اللحظة الاولي لتشكيلها, والقضية لا تنحصر في تعويض المنسحبين باسماء من المرشحين احتياطيا, ولكنها تتعلق بأهمية أن يحظي دستور مصر بتوافق وطني, وتمثيل يشمل كل اطياف المجتمع المصري, وهذه بلا شك طبيعة عمل الهيئات التأسيسية للدساتير, لان الانسحاب وعدم التوافق يعكس عدم مصداقية أي وثيقة تصدر عن هذه الهيئة التأسيسية, ذلك أن الدستور لا يعرف الأغلبيات ولا التوجهات, فالامر يستند إلي معيار سياسي في الأساس, وقد يضم أعضاء الهيئة التأسيسية من مائة عضو, لكن هذا العدد ربما لا يعني وفق الاختيار الحالي شيئا في إطار العمق السياسي والدستوري. والشاهد, أن ما أثير حول إمكانية تعويض المنسحبين بالمرشحين الاحتياطيين يعني والكلام هنا للمستشارة تهاني الجبالي- أننا في ملعب كرة وليس هيئة تأسيسية للدستور, فالقضية ليست لاعبين احتياطيين أو أساسيين, ولكن القضية تنحصر في مدي تعبير الهيئة التأسيسية للدستور عن توافق وطني واسع يجمع كل المصريين ولا يفرقهم, ولا شك أن ما جري يعكس محاولة للاستيلاء علي الدولة وليس للتعبير عن أغلبية يتمتع بها فصيل سياسي, وهناك محاولات لتغيير الشرعية الدستورية بالانتقال إلي نظام برلماني.