كنت وأنا بعدُ صغير أسمع مثلا يتردد على ألسنة الناس يقول "هو أنا غلطت في البخاري" فسألت أبي –رحمه الله -من البخاري هذا الذي يستعظم الناس مظنة الخطأ فيه فقال لي إنه صاحب كتاب الأحاديث النبوية الصحيحة ,المعروف باسم صحيح البخارى فسألته ولماذا يضرب به المثل في عدم جواز الغلط في الكتاب أو في صاحبه فرد قائلا :لأن البخاري استقصى وتحرى حتى جمع فيه الأحاديث الصحيح نقلها عن الرسول صلى الله عليه وسلم دون أن يتطرق إلي أي منها أدنى شك،حتى صار أصح كتاب بعد كتاب الله ,بشهادة علماء عصره وعلماء كل العصور التالية,فأيقنت صحة المثل الذي يستبعد أن يغلط إنسان في البخاري أو في كتابه ،هذا في زمن لم يكن فيه أدعياء من الذين لم يتورعوا عن الغلط والعيب في البخاري أو العيب بالغمز واللمز بل بالتصريح بسب البخاري وكتابه. فها هو قد جاء اليوم الذي أصبح سب البخاري والطعن في كتابه وما يحويه من درر ثبت صحة نقلها وروايتها عن سيد البشر وخاتم النبيين سيدنا محمد رسول الله –صلى الله عليه وسلم-حديث الصباح والمساء على شاشات الفضائيات وأصبح مستباحا لكل من هب ودب من أهل الأهواء من الجهلاء والأدعياء وأعداء الدين. فلما علا الغبار وارتفع صوت الأشرار،وحميت المعركة ،وكثر الطاعنون ،وقل المحامون،رن في أذني بيتان من الشعر لأبي تمام لعلهما يلخصان الحكمة الإلهية من وراء هذه المعركة المفتعلة في هذا التوقيت الحرج, وهذان البيتان هما: وإِذَا أَرادَ اللَّهُ نَشْرَ فَضيلَة ٍ طُويتْ أتاحَ لها لسانَ حسودِ لَوْلاَ اشتعَالُ النَّارِ فيما جَاوَرَتْ ما كَانَ يُعْرَفُ طيبُ عَرْف العُودِ فالبخاري لمن لا يعرفه ،أو عرفه ولم يحفظ له قدره ،أو عرف قدره فحقد عليه ،وأراد أن ينال منه، إيهاما لمن جهله، وتضليلا لمن لم يقرأ له، أو لم يقرأ عنه ،نقول له إن كنت جاهلا فاعلم وإن كنت غافلا فتنبه وإن كنت ناسيا فتذكر،إنه هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ، المولود في بُخارَى وهي بلدة في أوزباكستان، عام194ه وكان طفلا يتيما كفيفا إثر مرض ابتلى به ، فتعهدته أمه التى لم تتوان في الدعاء له والتضرع لله ليشفيه، ولم يرق لها جفن من كثرة البكاء، حتى جاءها سيدنا إبراهيم - صلى الله عليه وسلم- في الرؤيا وبشرها بأن الله استجاب لدعائها وتضرعها ،فرد على طفلها بصره،ولم تصدق الأم نفسها حتى رأت ابنها وقد عاد بصيرا بالفعل ،فنذرته للعلم ليكمل مسيرة أبيه الذي كان محدثا وعالما برواية الحديث. وفي إحدى الليالي رأى رؤيا كان لها أبلغ الأثر فيما تبقى من حياته ،فقد رأي الرسول صلى الله عليه وسلم جالسا والبخارى يمسك بمروحة ، يبعد بها الذباب عن الرسول صلى الله عليه وسلم،فعندما قص رؤياه على شيخه فسرها له بأن الرسول يستنجد به ويعهد إليه بتخليص أحاديثه مما دس عليه ونسب إلى الرسول ،وهو في الواقع برىء منها،فكانت الرؤيا إشارة بتكليف البخارى بالعمل الذي وقف بقية عمره عليه،فلم يسمع عن حديث إلا وانتقل إلى راويه ليسمعه منه بنفسه ويستجلى درجة صحته ونقائه،فلم يترك بلدا من بلاد المسلمين إلا سافر إليه من أجل ذلك ،وكم تكبد من مشاق في سبيل ذلك وكم عانى الجوع والعطش مع قلة المال حتى اضطر في بعض أسفاره إلى أن يأكل أوراق الشجر ليسد رمقه،فبلغت جملة ما جمع وقرأ وفحص من الأحاديث (ستمائة ألف حديث) اختار منها 7593 حديثاً صحيحا في كتابه الذي يعرف بيننا باسم (صحيح البخاري) قال البخاري: «ما وضعت في كتابي الصحيح حديثا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين.» لمزيد من مقالات صبرى زمزم