هذه شبهة من الشبهات يثيرها المستشرقون وأذنابهم فى الداخل ممن يريدون هدم ثوابت الدين الإسلامى.. فى محاولة منهم لخداع المسلمين وتشكيكهم فى دينهم.. ولكى أختصر الأمر أقول: إن النبى صلى الله عليه وسلم لم يحاول الانتحار، وإن هذه القصة ضعَّفها علماء الحديث، ومع ذلك فأنا أؤكد أيضاً أن صحيح البخارى هو أصح كتاب بعد "القرآن الكريم" وأن الطاعن فيه إنما يقصد الطعن فى سنة النبى صلى الله عليه وسلم. كيف ذلك؟ أقول: رغم أن هذه "القصة" موجودة فى البخارى لكن عزوها للبخارى خطأ فاحش، يحاول أصحابه إيهام الناس بأنها وردت على شرط البخارى فى حين أن قصة التردي هذه من بلاغات الزُهري كما ذكر شُرَّاح الحديث، ومنهم الإمام ابن حجر صاحب كتاب فتح الباري. والشبهة مأخوذة من زيادة فى حديث أورده البخارى عن السيدة عائشة فى أكثر من موضع بدون هذه الزيادة، ولكن فى "كتاب التعبير/ باب أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة/ حديث (6982)" أورد البخارى الزيادة من بلاغات الزُهرى وليس عن السيدة عائشة، حتى أن الحافظ ابن حجر أورد رواية السيدة عائشة منفردة ثم أورد نص بلاغ الزُهري وحده ليبين أنهما نصان مختلفان، وقال ما نصه: "ثم إن القائل (فيما بلغنا) هو الزُهري، ومعنى الكلام: أن في جملة ما وصل إلينا من خبر رسول الله في هذه القصة، وهو من بلاغات الزُهري وليس موصولا" (فتح الباري 16/290). وسند الحديث -الذى يتجاهله الطاعنون فى السُنَّة- يقول: "حدثنا عبد الرازق حدثنا معمر قال الزُهرى فأخبرنى عروة عن عائشة"... فالبخارى لم يقل حدثنا الزُهرى، بل "قال الزُهرى" فى إشارة إلى انقطاع السند، وعندما ذكر الزيادة التى لم يوردها إلا فى كتاب التعبير، قال: "وفتر الوحى فترة حتى حزن النبي صلى الله عليه وسلم (فيما بلغنا) حزناً غدا منه مراراً كى يتردّى من رءوس شواهق الجبال، فكلّما أوفى بذروة جبل لكى يلقي منه نفسه، تبدّى له جبريل فقال يا محمد إنك رسول الله حقّاً. فيسكن لذلك جأشه وتقرّ نفسه فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحى غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل تبدّى له جبريل فقال له مثل ذلك".. ولاحِظ أنه عند الزيادة قال "فيما بلغنا" أى أن هذه الزيادة من بلاغات الزُهرى، ومرسل الزُهرى ضعيف عند أهل الحديث، والمشكلة -كما حددها أهل الحديث- تكمن فى أن الطاعنين يظنون أن كل حرف فى صحيح البخارى هو على شرطه في الصحة، ولا يفرقون بين الحديث المسند فيه والمعلق، كما لم يفرقوا بين الحديث الموصول فيه والحديث المرسل الذي جاء فيه عرضاً كحديث عائشة هذا الذي جاءت في آخره هذه الزيادة المرسلة، بينما هذه الزيادة لم تأت من طريق موصولة يُحتج بها. والخلاصة: أن من يحاولون الطعن فى السُنَّة إنما يريدون وضعنا بين خيارين أحلاهما مر، فإما أن نقول إن الحديث صحيح فنطعن فى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، وإما أن ننكره فنكون –على ظنَّهم- من الطاعنين فى صحيح البخارى، وهذا إما عن جهل لا يستحقون معه أن يتكلموا فى الدين، أو عن خبث متعمد لا أستبعده فيهم... ولكن –ولكى يموتوا بغيظهم- فالقصة ضعيفة ولا تصح، وصحيح البخارى هو أصح كتاب بعد كتاب الله عزَّ وجل.. أما العيب الوحيد فهو فى ضمائرهم. لمزيد من مقالات عماد عبد الراضى