الرؤيا تقع على ما تفسر به إذا فسرت تفسيراً صحيحاً أخرج الحاكم من حديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الرؤيا تقع على ما تعبر، ومثل ذلك مثل رجل رفع رجله فهو ينتظر متى يضعها، فإذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا ناصحاً أو عالماً". وروى الدرامى: عن عائشة زوج النبى صلى الله عليه وسلم قالت: "كانت امرأة من أهل المدينة لها زوج تاجر يختلف، فكانت ترى رؤيا كلما غاب زوجها، وقلما يغيب إلا تركها حاملاً، فتأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقول: إن زوجي خرج تاجراً فتركني حاملاً، فرأيت فيما يرى النائم أن سارية بيتى انكسرت، وأنى ولدت غلاماً أعور، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير يرجع زوجك عليك، إن شاء الله تعالى صالحاً، وتلدين غلاماً براً" فكانت تراها مرتين أو ثلاثاً، كل ذلك تأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول ذلك لها، فيرجع زوجها وتلد غلاماً. فجاءت يوماً كما كانت تأتيه ورسول الله صلى الله عليه وسلم غائب، وقد رأت تلك الرؤيا فقلت لها: عم تسألين رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أمة الله؟ فقالت: رؤيا كنت أراها فآتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسأله عنها، فيقول خيراً، فيكون كما قال، فقلت: فأخبريني ما هى؟ قالت: حتى يأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعرضها عليه كما كنت أعرض، فوالله ما تركتها حتى أخبرتني، فقلت: والله لئن صدقت رؤياك ليموتن زوجك وتلدين غلاماً فاجراً، فقعدت تبكى، فقال لها: "ما لها يا عائشة؟" فأخبرته الخبر وما تأولت لها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مه يا عائشة إذا عبرتم للمسلم الرؤيا فاعبروها على الخير، فإن الرؤيا تكون على ما يعبرها صاحبها"، فمات والله زوجها، ولا أرها إلا ولدت غلاماً فاجراً". وأخرج سعيد بن منصور، عن عطاء قال: "كان يقال: الرؤيا على ما أولت". هذه الأحاديث صريحة بأن الرؤيا تقع على مثل ما تفسر يه، ويمكن أن يقال: إن الله إذا قدر أن تقع الرؤيا فإنه سبحانه يقدر للعابر أن يفسرها على وفق ما ستنفع. ومن ثم أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن لا نقص الرؤيا إلا على عالم أو ناصح، وفى رواية إلا على واد أو ذى رأى، وفى أخرى: ولا يحدث بها إلا لبيباً أو حبيباً. قال ابن العربى: أما العالم فإنه يؤولها له على الخير مهما أمكنه، وأما الناصح فإنه يرشد إلى ما ينفعه ويعينه عليه، وأما اللبيب - وهو العارف بتأويلها - فإنه يعلمه بما يعول عليه فى ذلك أو يسكت، وأما الحبيب فإن عرف خيراً قاله، وإن جهل أو شك سكت. ومما لا شك فيه أن ذلك مقيد بما إذا كان التعبير مما تحتمله الرؤيا ولو على وجه، وليس خطأ من كل وجه. وقال أبو عبيدة وغيره: معنى قوله "الرؤيا لأول عابر" إذا كان العابر الأول عالماً فعبر فأصاب وجه التعبير، وإلا فهى لمن أصاب بعده، إذ ليس المدار إلا على إصابة الصواب فى تعبير المنام، ليتوصل بذلك إلى مراد الله فيما ضربه من المثل، فإذا أصاب فلا ينبغى أن يسأل غيره، وإذا لم يصب فليسأل الثانى، وعليه أن يخبره بما عنده ويبين ما جهل الأول.