بهدوء وثقة يقوم الرئيس الصينى تشى جينبنج بانشاء بدائل تنموية دولية لهيمنة مؤسسات بريتون وودز (صندوق النقد الدولى والبنك الدولى ومعهما البنك الاسيوى للتنمية) على النظام المالى العالمى، وهى المؤسسات التى أفقرت الدول النامية، وكان خير مثال لذلك الدور الذى لعبته تلك المؤسسات فى افقار اندونيسيا، أحد النمور الآسيوية السابقة ابان الأزمة المالية الآسيوية سنة 1997. وفى أثناء تلك الأزمة طرحت ماليزيا فكرة انشاء صندوق آسيوى للتنمية بشروط آسيوية جديدة ولكن اليابان رفضته بدعم أمريكى لأنه يقوض هيمنة صندوق النقد الدولى، مما أدى الى فشل المشروع. ثم جاء الرئيس الصينى بطرح جديد قدمه لأول مرة فى لقائه مع الرئيس الاندونيسى آنذاك سوسيلو بامبانج فى 3 اكتوبر سنة 2013 لعلمه بما قاسته تلك الدولة من ويلات صندوق النقد. جاء الرئيس الصينى بمشروع جديد لانشاء «البنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية». الفكرة الأساسية للبنك كما طرحها أحد خبراء بنك التصدير والاستيراد الصينى هى أن الصين تتفهم أهمية الاستثمار فى البنية التحتية فى ضوء خبرتها التنموية وأن الصين لديها فوائض مالية هائلة (حوالى3.89 تريليون دولار) فى الوقت الذى تفتقر فيه دول أخرى الى الموارد اللازمة لتطوير البنية التحتية، وأن الصين تعلم أن تطورها مرتبط بتحسن أوضاع الاقتصاد العالمى مما يتطلب تنمية الاستثمار والتجارة. أضاف الخبير الصينى أن انشاء البنك سيمثل تحديا للهيمنة الاقتصادية والسياسية الأمربكية ولكل المؤسسات العالمية التى تسيطر عليها. ويمكن أن نضيف الى ماقاله الخبير أن الصين بدورها ستستفيد من انشاء البنك حيث أن الشركات الصينية سيكون لها نصيب كبير فى مشروعات البنك خاصة تلك المشروعات المرتبطة بطريق الحرير الجديد. كذلك فالصين لاتتطلع الى اضعاف المؤسسات المالية العالمية كالصندوق والبنك، ولكنها تريد أن توجد بدائل أخرى لتلك المؤسسات وذلك للدول التى لاتستطيع تحمل شروطها، فضلا عن أن الصين بذاتها عضو فى تلك المؤسسات ولاتنوى الانسحاب منها. كذلك فان الصين تريد من انشاء البنك أن تؤكد للدول الأخرى أن صعودها الاستراتيجى لن يؤدى الى تحولها الى قوة عدوانية تتطلع الى موارد الآخرين، ولكنها تريد أن تتعاون مع الآخرين فى ميدان الاستثمار المشترك. ومن ثم لاغرابة أنه فى خلال عام من طرح الفكرة استجابت لها 21 دولة آسيوية وقعت مع الصين فى 24 اكتوبر سنة 2014 مذكرة تفاهم لانشاء البنك. وكان من تلك الدول ثلاث دول عربية هى الكويت، وعمان ، وقطر (أعلنت السعودية والأردن انضمامهما الى البنك فيما بعد). نصت المذكرة على أن البنك هو مؤسسة حكومية آسيوية مقرها بكين و أن رأسمال البنك سيكون 50 بليون دولارتزداد الى 100 بليون دولار على أن يكون رأس المال المدفوع 20% من تلك المبالغ، على أن تستكمل الدول الأعضاء وثائق التوقيع والتصديق والانشاء خلال سنة 2015. ماذا كان رد فعل باقى الدول الآسيوية و الدول الغربية والمؤسسات المالية العالمية على المشروع الصينى؟زاد عدد الدول الآسيوية الأعضاء الى 27 دولة منها السعودية والأردن. كما انضمت اليه، كما سنرى، سبع دول أوروبية. بالطبع عارضت الولاياتالمتحدة المشروع. وفى بيان صادر عن مجلس الأمن القومى أشارت ادارة أوباما أن أى مؤسسات مالية جديدة يجب أن تتوافق مع معايير صندوق النقد الدولى والبنك الدولى والولاياتالمتحدة ليست واثقة أن المؤسسة الجديدة ستستطيع أن تتوافق مع تلك المعايير. بعبارة أخرى تريد الولاياتالمتحدة أن يتحول المشروع الصينى الى نسخة كربونية من المؤسسات التى تسيطر عليها. وهى حجة تشكل غطاء لرفض المشروع الصينى على أساس أنه يدعم من القوة الناعمة للصين ويقدم للدول النامية بديلا عن المؤسسات المالية العالمية التى تسيطر عليها. ولكن الولاياتالمتحدة أعلنت بعد ذلك أنها قد تشارك فى تمويل بعض مشروعات البنك دون الانضمام اليه. كما رفضت اليابان الانضمام الى المشروع الصينى. وكانت كوريا الجنوبية قد امتنعت فى البداية ثم أعلنت انضمامها. ولكن المفاجأة جاءت من بريطانيا واستراليا ونيوزيلندا أولا ثم فرنسا وألمانيا وايطاليا والنمسا وسويسرا ولوكسمبورج فى مرحلة لاحقة حيث وافقت جميعا على الانضمام للبنك. وأعلن رئيس الوزراء البريطانى صراحة أن انشاء البنك يصب فى المصلحة البريطانية وأضاف وزير الخزانة البريطانى أن بريطانيا ستسهم فى رأسمال البنك، وهو الاعلان الذى انتقدته ادارة أوباما قائلة ان بريطانيا تتوافق باستمرار مع الصين «وهو ليس الأسلوب للتعامل مع قوة صاعدة!» كما اعلنت كندا أنها »تفكر« فى الانضمام الى البنك ولكنها لم تتخذ قرارا بعد. أما رشيس البومن فقال الجدير بالتأمل أن كوريا الشمالية طلبت الانضمام ولكن الصين اعترضت حيث قال جين ليكون، الرئيس المؤقت للبنك إن كوريا الشمالية لم تحقق انجازا اقتصاديا كما أن استمرارها فى الاقتراض من الصين هو سبب اضافى لعدم قبول عضويتها. من سيدفع رأسمال البنك؟ بالطبع ستتشارك الدول الأعضاء فى ذلك، لكن المتوقع أن الصين ستدفع معظم رأس مال البنك علما أنها دفعت 40 بليون دولار فى صندوق تطوير طريق الحرير الجديد عبر آسيا والذى يتضمن انشاء مشروعات فى ميدان البنية التحتية. أتصور أن مصر يجب أن تبادر فورا الى الانضمام الى المشروع الصينى قبل ان يتم التوقيع على وثائق انشاء البنك «خاصة أن الصين حددت نهاية شهر مارس للانضمام». فمصر يمكن أن تستفيد من تمويل البنك للعديد من مشروعات البنية التحتية. ومصر مؤهلة للانضمام بحكم أنها دولة آسيوية أيضا بحكم وضع شبه جزيرة سيناء. وهناك سابقة لمصر حين انضمت الى العضوية المؤسسة »لمؤتمر اجراءات التفاعل وبناء الثقة فى آسيا» فى كازاخستان سنة 1997. فضلا عن أن مصر أقرب الى آسيا من الدول الأوربية التى اعلنت الانضمام. بالاضافة الى ذلك فان مشروع انشاء البنك يتم صياغته حاليا وسيتم التوقيع عليه قرب نهاية سنة 2015. وقد أعلنت وزارة المالية الصينية أن «أى دولة توقع وتصادق على اتفاقية انشاء البنك ستعد رسميا من الدول المؤسسة، ولكن يجب أن يوافق على انضمامها الدول الحالية المنضمة». ومن ثم فأمام مصر فرصة لطلب الانضمام الآن وقبل أن يتم توقيع اتفاقية الانشاء لكى يكون لها دور فى صياغتها طبقا لتصوراتها، خاصة أن معها خمس دول عربية انضمت بالفعل وستؤيد طلبها للانضمام.الأمر لايحتمل الانتظار. لمزيد من مقالات د. محمد السيد سليم