مصر لن تركع جملة أطلقها الدكتور كمال الجنزوري رئيس مجلس الوزراء, مؤكدا بها أن مصر لن تخضع لأي ضغوط أمريكية فيما يتعلق بإجراءاتها القضائية ضد الجمعيات الأهلية المخالفة للقانون, ومن ثم أحيلت مجموعة من الأمريكيين الي المحاكمة في قضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني, وصدر قرار بمنعهم من السفر.. واستقبل الشعب تصريحات المسئولين الذين أكدوا ضرورة محاكمة الأمريكيين المتورطين في هذه القضية بسعادة بالغة, خاصة أننا نحن المصريين الذين علمنا العالم كله معني العزة والكرامة عبر العصور لم نتعود علي هذه اللهجة من حكامنا منذ عشرات السنين.. وانطلق الكثيرون ممن يحبون هذا الوطن مطالبين بالاستغناء عن المعونة الأمريكية, مؤكدين أن المصريين قادرون علي جمع مئات أضعاف هذه المعونة حتي لا تستخدمها أمريكا كوسيلة لإخضاع مصر لها. ولكن للأسف الشديد لم تمر إلا أيام معدودة حتي فوجئنا بخبر تنحي هيئة المحكمة عن نظر القضية.. ثم تلا ذلك خبر أسوأ وهو رفع أسماء جميع الأمريكيين المتهمين من قائمة المحظورين من السفر وهبوط طائرة أمريكية بصورة مفاجئة في مطار القاهرة حاملة هؤلاء المتهمين الي بلدهم سالمين آمنين. ومع الشعور بخيبة الأمل وأن كلمة مصر نزلت المرة دي مثل كلمة المعلم حنفي في فيلم ابن حميدو بدأت التساؤلات والشبهات تحوم حول هذا التصرف الغريب من جانب مصر.. ولكن إذا نظرنا الي الأمور نظرة موضوعية فسوف نكتشف الحقيقة المرة, وهي أن ضغط أمريكا علي مصر لا يقف فقط عند حد منع المعونة الأمريكية ولكنها تستطيع بإشارة واحدة أن توقف علاقتنا الاقتصادية مع معظم الدول الأوروبية بل والعربية أيضا, فمن المؤكد أن علاقة هذه الدول بأمريكا أهم بكثير من علاقتها بمصر.. وبالتالي فإننا يمكن في أيام معدودة ألا نجد خبزا نأكله حيث نعتمد أساسا علي استيراد القمح ولا نجد غاز البوتاجاز لأننا أيضا نستورده.. لقد فطن الي هذه الحقيقة الموجعة الرئيس الراحل أنور السادات الذي اعترف بأنه لا يستطيع محاربة أمريكا واحترمه الجميع لأن الاعتراف بالحق فضيلة.. وعلينا جميعا أن نستوعب هذه الحقيقة ونعرف أن الأزمة ليست فقط في المعونة الأمريكية ولكنها أكبر من ذلك بكثير.. وقد لخصها الشيخ متولي الشعراوي رحمه الله في قوله, إنه لن تكون كلمتنا من رأسنا إلا إذا كانت لقمتنا من فأسنا.. لذلك فإنه يجب أن يكون ماحدث في موضوع قضية التمويل الأجنبي درسا قاسيا لنا جميعا وأن نتعلم منه ضرورة العمل وبذل الجهد وليس الكلام والشعارات... لابد أن نعمل ليلا ونهارا في الزراعة والصناعة والتعليم والبحث العلمي حتي نبني دولة قوية.. تعمل لها الدول الأخري ألف حساب ووقتها فقط نستطيع أن نقول بكل ثقة إن مصر لن تركع أبدا بإذن الله. د. ثناء هلال أستاذ بطب عين شمس