مع مطلع كل يوم جديد يفاجئنا ما يسمى تنظيم «داعش الارهابى» بجريمة انسانية تفوق فى بشاعتها سابقتها،وتعيدنا إلى عصور ما قبل التاريخ، وآخر جرائم هذا التنظيم إقدامه على إزالة ومحو جزء من تاريخ الحضارة البشرية بتدمير مدينة نمرود الآشورية الأثرية بالجرافات فى أحدث هجوم لهم على واحد من أعظم الكنوز الأثرية والثقافية فى العالم. والذى يرجع تاريخه لثلاثة آلاف عام ومن قبلها تدمير محتويات متحف الموصل بمحافظة نينوى العراقية مهد الحضارة الاشورية حيث تم تدمير العديد من التماثيل الكبيرة لحراس شعب الأشوريين التى يرجع تاريخها إلى القرن الثامن قبل الميلاد، ويعد ذلك بلاشك كارثة ثقافية فادحة . وتهدف داعش من تدميرهذه الآثار إلى لفت انتباه وسائل الاعلام العالمية إلى أنّ التنظيم مازال محتفظا بقدراته رغم الضربات الموجهة إليه من التحالف الدولى ، وأنه ماض فى طريقه لتدمير الحضارة الانسانية فى بلاد الرافدين. فقد قام التنظيم أمس الاول بالاعتداء على مدينة نمرود الاثرية وتجريفها بالآليات الثقيلة مستبيحة بذلك المعالم الاثرية التى تعود إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد وما بعده، وقبل اسبوعين أقدم التنظيم على تدمير متحف الموصل الذى شيد عام 1952، ويضم آثار حقبة هامة من حضارة بلاد ما بين النهرين " وهى الحضارة الآشورية التى نشأت خلال الألفية الثانية قبل الميلاد. وتميزت هذه الحضارة بالانجازات المعمارية وصنع التماثيل ولا سيما الثيران المجنحة ذات الأحجام الضخمة.كما تميزت بعلوم الفلك والحساب والعلوم الزراعية، وتعاقبت على الموصل حضارات أخرى مثل الفارسية والرومانية والساسانية. وعلى مدى آلاف السنين، تركت جميع هذه الحضارات، آثارا وشواهد ومكتبات وأبنية ذات طرز معمارية متنوعة جعلت من مدينة الموصل واجهة حضارية كبرى للعراق، وأحد أهم مراكز التراث العالم. ويصل عدد المواقع الآثارية فى الموصل إلى 1791 موقعا أثريا و250 مبنى تراثياً، و20 مكتبة ضخمة تحوى مخطوطات اسلامية هامة، حسب بيان وزارة السياحة والآثار العراقية الذى صدر عام 2014 ومن الواضح أن الحكومة العراقية غير قادرة فى الوقت الراهن على الدفاع عن هذا الإرث الحضاري، ولذلك فان حماية آثار الموصل تتطلب تدخلا دوليا سريعاً، وذلك بحكم أن العديد من آثار الموصل مدرجه ضمن قائمة التراث العالمي، كما يجب حشد الدعم الدولى لحماية التراث والتنوع الثقافى فى العراق وسوريا وانزال اقصى العقوبات على الافراد والجهات التى تتاجر بطرق غير شرعية بالتحف والقطع الاثرية والمخطوطات المسلوبة باعتبارها مصدرا مهما لجلب السلاح للتنظيم والاستمرار فى المعارك. ويؤكد خبراء الاثار العراقيون أن كارثة أكبر بكثير من كارثة تجريف مدينة النمرود وتدمير متحف الموصل، فى طريقها الى الحدوث فى حال لم يتم تلافى الامر بتحرك دولى عاجل، فالمواقع الأثرية التى تقع تحت سيطرة داعش جميعها عرضة للتدمير الآن، وقد صرح رئيس الهيئة العامة للآثار والتراث ، بأن تنظيم داعش قام بتفخيخ أسوار نينوى القديمة بالكامل، استعدادا لتفجيرها، حيث يعتزم التنظيم الارهابى محو جميع المواقع الاخرى تباعاً. وفى النهاية يمكن القول أن ما حدث من التنظيم الارهابى فى الخطوتين السابقتين يدق ناقوس الخطر من الخطوة المقبلة بالوصول الى المتحف الوطنى العراقى فى بغداد مما يستوجب ضرورة حمايته بكل الوسائل الممكنة للحفاظ على ما تبقى من التراث الحضارى للعراق.