للذى تفعله بنا داعش هذه الأيام خطران؛ أحدهما أصغر، والآخر أكبر. وصدّق أو لا تصدق، فإن أصغر الخطرين هو الذبح.. أما الأكبر- وهو الهدف الكامن والخفى المستتر الذى لا يدركه الكثيرون- فهو اقتيادنا إلى نسيان الغاية السامية من الدين( كل دين!).. وهى الرحمة. داعش، والذين صنعوها، يسحبوننا- دون أن نعي- إلى الغرق فى مستنقع عفن من قسوة القلب، وتحجر المشاعر، وموت الضمير. ومعلوم أنك إذا نجحت فى ذبح ضمير الإنسان، فإنك تكون آنئذ أمام جماعة بشرية همجية بدائية متخلفة موشكة على الانتحار.. ومن ثم على الفناء.. وهكذا يفعل بنا الداعشيون- ومن وراءهم- الآن. إنهم يزرعون فينا تفانين الكراهية، وحب القتل، وعشق الدماء.. وتلك- لو تدري- بدايات الهلاك! وتستطيع- إن أردت- التوقف أمام مظاهر عدّة، بدأ المجتمع المصرى فى الانسياق إليها. وانظر إن شئت إلى قسوة القلب، وتبلد الإحساس، وتحجر المشاعر، لدى مجموعة الشباب الذين التفوا حول حيوان أعجم أعزل، فربطوه فى عامود إنارة، وراحوا ينهالون عليه بسيوفهم، فمزقوه تمزيقا، دون أن تهتز لهم شعرة أمام صرخات الألم الصادرة عن الحيوان المسكين وهو يسلم الروح.. فهل هؤلاء هم المصريون؟ وانظر إن أردت إلى حوادث التفجير اليومية، جرّاء زرع قنابل بدائية، أمام الأكشاك، وتحت السيارات، وبين فروع الشجر.. ومدى ما تحدثه من ذعر وخوف فى نفوس الناس.. وسل نفسك: ما الذى بالضبط يبتغيه زارعو القنابل هؤلاء( والذين هم غالبا من الشباب!). وما الفائدة التى ستعود عليك إن أنت أزهقت روح عامل فى مطعم، يجرى على رزقه وقوت عياله؟ هب أن ثمة صراعا سياسيا تدور رحاه الآن فى المجتمع، فما ذنب رب أسرة غلبان- لا له فى السياسة، ولا فى الإخوان، ولا فى داعش، ولا فى الصراع- فتفجّره؛ فتفقأ له عينا، أو تبتر له ذراعا، أو تسلب منه روحه.. فييتم صغاره، وتترمل زوجته، وتثكله أمه؟ إن علماء الاجتماع قالوا لنا إن الإنسان ابن بيئته؛ فإن كانت بيئة سلام ومحبة ونظام وانضباط، فإنه يواصل حياته، وينمو، ويتطور، فيعمّر الأرض.. أما إن كانت بيئته بيئة غلّ وأحقاد وقتل وتذبيح، فإنه ينقرض ويفني.. ويلقى به التاريخ إلى صندوق قمامته غير مأسوف عليه.. وراجع- لو أردت- كيف هلكت قبلنا الامبراطوريات الكبرى عندما وقعت فى شراك العنف والقسوة وبحار الدماء. والذين قرأوا جيدا مكونات الشخصية المصرية عبر التاريخ، لابد وأنهم يعرفون أن أهمّ ما ميز المصريين عن بقية الجماعات البشرية، حب الحياة، وحب الأسرة، وكراهية الدم. ولم يكن المصرى ليرتكب فعل القتل أبدا إلا إذا قتل قاتل أحد أفراد أسرته( ظاهرة الثأر).. لكن أن نرى القتل مباحا هكذا صباحا وعشيّة وكل مساء.. فهذا ما لم نعرفه- نحن المصريين- أبدا.. فأفيقوا يرحمكم الله! طيب.. وما المخرج من هذا المأزق اللعين؟ وكيف نحبط لعبة صانعى داعش الملاعين؟ الإجابة: بتبديل الخطاب بكل أنواعه؛ الدينى والإعلامى والمجتمعى والتعليمي، لتكون الرحمة هى كلمة السر، واللفظ الأكثر ذيوعا واستخداما بيننا. .. فلتبدأ كل المساجد والكنائس فى عرض معانى الرحمة، وأنواعها، وفوائدها.. والإعراض عن ترديد أحاديث الموت والقسوة والغضب والعذاب.. ولنبدّل من الآن فصاعدا برامج الحواريات والتسلية والأخبار، بحيث تبتعد قدر الإمكان عن الترويج للغل والغضب والكراهية، وتقدم لنا مظاهر الحب والتراحم والتسامح والغفران. هل تحلم يا عم الحاج؟ وفيها إيه؟ ألم تكن كل الإنجازات العظيمة حلما فخاطرا فاحتمالا ثم أضحت حقيقة لا خيالا( على رأى عزيز أباظة)؟ .. إنهم هناك- حيث يتآمر المتآمرون ويتداعش المتداعشون- يسعون لأن يكره كل منّا الآخر.. فلماذا نقدم لهم ما يريدون على طبق من غفلة ومصالح شخصية ضيقة وغباء؟ دعونا نكن نحن الأذكي، وانشروا خطاب الرحمة بيننا.. وساعتها سترون كم سيتغير فى عيوننا لون الحياة.. وكم سيكون طعمها شهيا مستساغا، ورائحتها ذكية. تعالوا ننسى رائحة الدم، لأنها لو تفشّت، واعتادتها أنوفنا، فسوف تمتد لتطالنا جميعا.. حتى لو كنا فى بروج- أو كومباوندات- مشيّدة.. وحتى لو كنّا نجوما أو مليونيرات أو باشاوات! لمزيد من مقالات سمير الشحات