حركات الاحتجاج التي خرجت الي شوارع موسكو وكبريات المدن الروسية احتجاجا علي فوز فلاديمير بوتين في الانتخابات الرئاسية, تبدو مقدمة لاثارة الشكوك في مدي واقعية احتمالات البقاء في الكرملين لولايتين اخريين حتي عام2024. في نفس الوقت الذي تنضم فيه واشنطن الي المراقبين الدوليين ممن رصدوا عددا من المخالفات التي شابت العملية الانتخابية وهو ما ردت عليه موسكو باتهامهم بالتجسس. وقد جاء تواتر الاحداث بمثل هذه الحدة ليؤكد ان ابواب السياسة الروسية صارت مشرعة امام كل الاحتمالات ومنها ما قد يواجه به بوتين كل هذه المظاهرات والانتقادات من اساليب تتسق مع ما عرف عنه من تشدد وعناد يرتكز فيهما الي عوامل قوة طالما اتكأ اليها لتحقيق ما يتطلبه أمن الوطن. وكانت واشنطن سارعت بانتقاد العملية الانتخابية وطلبت اجراء تحقيقات مستقلة ولا سيما بعد اعلان منسق بعثة المراقبين الأوروبي ينتوني بيكولا ان انتخابات روسيا كانت' غير عادلة' وما قاله تيني كوكس رئيس بعثة مراقبي الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا حول عدم تكافؤ الفرص امام المرشحين واشارته الي تدخل الجهاز الاداري للدولة لصالح مرشح بعينه. ورغم ان كان هناك ما يشير الي ان كل هذه الانتقادات' حق يراد به باطل', فقد سارع رئيس اللجنة المركزية للانتخابات فلاديمير تشوروف الذي تطالب المعارضة بطرده بسبب تورطه وحسبما قالوا بتزوير الانتخابات البرلمانية الاخيرة, بدحض هذه الانتقادات, فيما اتهم المراقبين الدوليين بالتجسس مشيرا الي انهم'لا يهتمون بانتخابات روسيا بقدر اهتمامهم بمنشآتها العسكرية والمغلقة ومنها نقاط الحدود والمراكز النووية المغلقة ومراكز الصواريخ'. علي ان الاتهامات والاتهامات المضادة لا تنفي عددا من الحقائق اهمها ان وقائع التزوير مسجلة بالصوت والصورة ومن خلال الكاميرات التي انتشرت في كل مراكز الاقتراع بموجب خطة اعلنها بوتين في اعقاب الشكوي من تزوير الانتخابات البرلمانية. لكن الواقع يقول ايضا ان وقائع التزوير لم تكن لتتجاوز النسبة التي كانت لتسمح بفوز اي من مرشحي المعارضة امام بوتين لما يملكه من شعبية جارفة ومؤهلات طالما ارتقت به الي مصاف البطل القومي بعد ان انقذ روسيا من مصير مشابه لما سبق وواجهه الاتحاد السوفييتي السابق واعاد لها الكثير من وقارها في الساحتين الاقليمية والدولية. ويكفي ان نشير الي ان ثلاثة من المرشحين سبق وترشحوا للمنصب امام كل من يلتسين وبوتين وميدفيديف ولم يفز اي منهم, بل ولم يرق حتي الي جولة اعادة, عدا زيزجانوف زعيم الحزب الشيوعي الذي خسر في عام1996 امام يلتسين من الجولة الثانية وبعد تدخل سافر من جانب اقطاب' اللوبي اليهودي' و'الطغمة المالية' التي ساندت يلتسين حفاظا علي مصالحها. اما المرشح الرابع وهو الملياردير ميخائيل بروخوروف والذي فاز بالمركز الثالث بنسبة اصوات لم تتعد8% فلم يكن ليمكن ان يكون منافسا حقيقيا لبوتين وهو الذي وقف وراء ترشيحه وكان أول من هنأه بما حققه من تقدم علي ممثلي حزبي' روسيا العادلة' و'الليبرالي الديموقراطي'.علي ان ذلك لا يمكن ان يكون مبررا لما تشهده روسيا من' فراغ سياسي' يبدو بوتين أول المسئولين عنه وهو الذي وقف وراء ما وصفه كاردينال الكرملين فلاديسلاف سوركوف ب' الديموقراطية الموجهة' وحول السلطة الي متاع يتوارثه الاصدقاء, ما صار موضع تندر وسخرية الداخل والخارج منذ تخلي عن عرش الكرملين الي' تلميذه النجيب' دميتري ميدفيديف في عام2008 تمهيدا لاستعادتها في عام2012 وبعد تعديل دستوري يمد فترة الرئاسة الي ست سنوات بدلا من الاربع السابقة. ورغم ان الساحة السياسية لم تفرز بعد الشخصية التي تطاول قيمة وقامة بوتين كرئيس للدولة فان ذلك وحسب تقديرات خصومه والبسطاء من ابناء شعبه لا يمكن ان يكون مبررا لاحتكار السلطة والاستمرار في فرض القيود علي تشكيل الاحزاب وتكميم الافواه وتشديد الرقابة علي الاعلام. واذا كان ميدفيديف نجح نسبيا في اعقاب المظاهرات الجماهيرية التي خرجت الي شوارع موسكو احتجاجا علي نتائج الانتخابات البرلمانية, في نزع فتيل الانفجار من خلال لقائه ممثلي المعارضة غير الرسمية في مقر اقامته, ووعوده بتنفيذ بعض اجراءات الاصلاح السياسي, فان هناك ما يدفع الي الامل في توجه مشابه من جانب بوتين وهو الذي سارع الي دعوة منافسيه الي لقاء قال انه يريده مقدمة لجولات اخري من اجل تبادل الاراء والرؤي تجاه مستقبل الوطن وإن فوجئ برفض زعيم الشيوعيين زيوجانوف قبول الدعوة وهو الذي لا يزال يرفض الاعتراف بنتائج الانتخابات فيما رفض تهنئة الرئيس الجديد القديم بوتين بهذا الفوز. وكان بوتين اعرب ايضا عن استعداد للقاء ممثلي المعارضة في نفس الوقت الذي تشير فيه الشواهد الي احتمالات تغييرات جذرية في قوام الحكومة المرتقبة والتي من المقرر سلفا ان يعهد برئاستها الي ميدفيديف. وفيما يتوقع البعض عدم استمرار ميدفيديف طويلا في رئاسة الحكومة يقول المراقبون ان بوتين سوف يكون حريصا علي الالتزام بما تعهد به امام ناخبيه علي صعيد التغيير فضلا عن اتخاذ موقف اكثر تشددا تجاه واشنطن وهو الذي لا يزال يذكر لها تنكرها للعديد من الاتفاقات ومنها وعودها حول عدم نشر الدرع الصاروخية واعلانها الخروج من معاهدة الحد من الانظمة الصاروخية.