لم يغمض لى جفن بعد أن شاهدت إخوانى المصريين يذبحون بأيد إرهابية، فى مشهد أدمى قلوبنا جميعا، وتملكنتى رغبة جامحة للثأر، فتلك الأحداث تستنهض الهمم وتحرك المشاعر الوطنية فتحول كل مصرى لرجل أمن ومقاتل ولأننى لا أملك سلاحاً سوى قلمى فى يدي، فرأيت كتابة السطور التالية مستبقاً أى رد فعل يتحفظ على حق مصر فى الدفاع عن مواطنيها والثأر لهم، وذلك طبقاً لقواعد القانون الدولى التى ما فتئ الغرب يرددها ويعول عليها للتدخل فى شئوننا دون أن يلتزم هو بها. وهناك عدة منظومات قانونية دولية وإقليمية مترابطة توفر الحق لمصر فى استخدام القوة المسلحة والقيام بعمليات استباقية للرد على قتلا بنائنا المصريين فى الخارج أو منع ارتكاب أفعال مماثلة مستقبلاً تتمثل أساساً فى (أولاً) منظومة الإجراءات الجزائية فى حالة تهديد السلم والأمن الدوليين(ثانياً) منظومة الحرب على الإرهاب (ثالثاً) منظومة الحق فى الدفاع عن النفس(رابعاً) منظومة الدفاع العربى المشترك. (أولا) منظومة حفظ السلم والأمن الدوليين: توفر أحكام الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة منظومة جزاءات متكاملة ومتدرجة تصل إلى حد استخدام القوة المسلحة إذا وقع تهديد على السلم والأمن الدوليين، وإذا كانت تلك المنظومة الدولية قد قصد منها أصلاً الدول، إلا أنه بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 تطورت هذه المنظومة بمساع أمريكية لتستهدف أيضاً التنظيمات الإرهابية. وطبقاً لها يحق لمصر مطالبة مجلس الأمن بالقيام بعمليات مسلحة، وطلب الدعم العسكرى من الدول المعنية للقضاء على مصادر التهديد بالأراضى الليبية. ولها طبقاً للمادة 48 من الميثاق الاضطلاع بالعمليات المسلحة بمفردها أو بمشاركة دول أخري، ولا يحق لدولة أياً كانت الاعتراض على مثل هذه الإجراءات بزعم انتهاكها السيادة الوطنية الليبية، مادام أن هذا التحرك المصرى يلقى دعماً من الحكومة الليبية الشرعية، ويوجه أساساً لجماعات مسلحة إرهابية تعمل على أراض خرجت عن سيطرة الدولة. (ثانيا)منظومة الحرب على الإرهاب: أصدر المجتمع الدولى ممثلا فى منظمة الأممالمتحدة العديد من الاتفاقيات فى مجال مكافحة الإرهاب الدولي.وتكون الجريمة الإرهابية ذات طابع دولى إذا توافرت فيها أى من الحالات الآتية:1)تعدد جنسيات من لهم علاقة بالعمل الإرهابى سواء كانوا من مرتكبى الجريمة أو من ضحاياها2)الإعداد للجريمة أو ارتكابها فى أكثر من دولة 3)تعدى آثار الجريمة الحدود الوطنية والمساس بمصالح دولة أو دول أخري. ومما لاشك فيه أن جميع تلك العناصر تنطبق على العمل الإرهابى الوحشى ضد المصريين فى ليبيا. ومن المهم الإشارة إلى أنه من بين اتفاقيات الأممالمتحدة المحورية فى هذا المجالالاتفاقية الدولية لمناهضة أخذ الرهائن لعام 1979. وطبقاً لنصوص هذه الاتفاقية فإن أى شخص يقبض على شخص آخر أو يحتجزه ويهدد بقتله أو إيذائه من أجل إكراه طرف ثالث، سواء كان دولة أو منظمة دولية أو حكومية، أو شخصاً طبيعيا أو اعتباريا، على القيام أو الامتناع عن القيام بفعل معين كشرط للإفراج عن الرهينة، يرتكب جريمة أخذ الرهائن بالمعنى الوارد فى هذه الاتفاقية، وكل من يسهم فى هذه الأعمال بوصفه شريكا يرتكب كذلك جريمة فى حكم هذه الاتفاقية. وتلتزم جميع الدول بمنع الأفعال المتقدمة أو التحضير لارتكابها داخل أو خارج أراضيها، وتتخذ التدابير الرامية إلى حظرها وتجريم التشجيع أو التحريض عليها، كما تلتزم بتبادل المعلومات لمنع ارتكابها وضبط مرتكبيها. وإن الدول الداعمة للإرهاب سوف تواجه مأزقا خطيرا إذا استطاعت السلطات المصرية المختصة إظهار الأدلة القانونية على ارتكاب التنظيمات والجماعات التى تدعمها أو توفر ملاذاً آمنا لها أعمالا إرهابية ضد مصر، باعتبارها دولاً راعية للإرهاب. (ثالثا) منظومة الدفاع عن النفس:ترسخ المادة 51 من ميثاق الأممالمتحدة حق الدول افرادا أو جماعات فى الدفاع عن أنفسهم فى حالة الاعتداء المسلح عليها، لحين اتخاذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين. ووففا لفقه القانون الدولى الراجح، لا يقتصر الحق فى الدفاع عن النفس على العدوان الذى يقع من قوات مسلحة أو جيوش نظامية على الدولة، بل يمتد إلى ممارسة هذا الحق ضد الإرهاب الدولي، الذى يُعد فى تلك الحالة من قبيل االهجوم المسلح غير المباشر. (رابعا) منظومة الدفاع العربى المشترك:لقدآن الأوان لكى نعيد الحياة لمنظومة أخرى مهمة تحت مظلة جامعة الدول العربية وهى معاهدة الدفاع العربى المشترك، التى تخول للدول العربية إعداد الخطط العسكرية لمواجهة جميع الأخطار المتوقعة أو أى اعتداء مسلح يمكن أن يقع على أى دولة وفقاً للخطط التى يقررها مجلس الدفاع العربى المشترك،بحيث تكون الحرب على الإرهاب الذى يستهدف الوطن العربى قائمة بأياد عربية. يخطئ من لا يرى أن مصر تقود حربا حقيقية على ما يمكن أن يوصف بأنه إرهاب دولى منظم، تدعمه دول بعينها بقصد إضعاف دور مصر الإقليمى وإفشال مساعيها فى الانتقال للاستقرار والديمقراطية. وإنى أتوقع أنه وقت نشر هذا المقال سوف تكون هناك تحركات مصرية بدعم عربى قوى نحو استصدار قرار من مجلس الأمن الدولى يدين هذا العمل الإرهابى ويمنح مصر الحق فى الرد عليه باستخدام القوة المسلحة، وللحكومة المصرية مخاطبة لجنة مكافحة الإرهاب ولجنة الجزاءات التابعتين لمجلس الأمن لإدراج جميع الأفراد والكيانات التى تعمل داخل مصر وخارجها والتى ترتبط بتنظيمى القاعدة وداعش الإرهابيين بلائحة جزاءات التنظيمات الإرهابية بمجلس الأمن. إن المشهد البربرى لذبح المصريين الذى قصد منه بث الرعب فى قلوبنا أتى بنتائج عكسية فاستنهض الهمم واستنفر فينا جميعا روح القصاص، ولقد صار واجبا حتميا على مصر وغيرها من الدول العربية والإسلامية أن تتكاتف بقوة وحزم وصرامة لمجابهة ودحر هذا الإرهاب الوحشى دفاعا عن الإسلام نفسه وحقيقة الأديان السماوية العصماء جميعها.
خبير القانون الجنائى الدولي لمزيد من مقالات المستشار.عادل ماجد