ظل يراودها باستمرار حلم أنها فى حديقة جميلة مليئة بالورود، ولم تتمكن من تفسيره مطلقا إلإ عندما وضعت نفسها على أول طريق المعرفة، وبدأت تعلم نفسها القرأة والكتابة بنفسها، لذلك تحلم بتوفير العلم لجميع الفتيات من مختلف أنواع الإعاقات اللاتي حرمن من التعليم.. وعندما اشترى لها شقيقها أول كرسى متحرك ليساعدها على الحركة شعرت إنها «تمشى» من الفرحة .. أنها وفاء الشهاوى الحالمة من فوق كرسيها المتحرك. تقول وفاء – الملقبة ب «بنت النيل» -: لم أذهب إلى أى مدرسة فى حياتى، لأن الله اختار لى أعظم وأجمل مدرسة، وهى مدرسة الصبر، تعلمت فيها كيف أصبر على الابتلاء, فلقد ابتلانى الله بإعاقة فى ساقيى، ولم أستطع المشى منذ ولادتى عام 1965بمحافظة الفيوم, وعندما وصلت إلى السن التى تؤهلنى لدخول المدرسة لم أدخل لأن فى هذا الوقت لم يكن هناك اهتمام بتعليم البنات خاصة فى الأرياف، لذا بقيت فى المنزل حتى السابعة عشرة من عمرى دون أن أعرف القراءة أو الكتابة, ومرت السنين حتى حصل أخى على الثانوية العامة وألتحق بكلية الآداب جامعة القاهرة, وذات يوم عندما كان يودعنى وهو مسافر للقاهرة، سألنى سؤالا غير مجرى حياتى، هل تريدين أن تعبدى الله وأنت فاهمة بتعبديه ليه؟ تقرأين كتابه وتقومى بواجباتك وحتى لا تعيشى كالحيوان تأكلين وتشربين فقط؟ هزنى السؤال جدا وفكرت كيف أتعلم القراءة والكتابة وألهمنى الله بفكرة وهى أن أخذ مصروفى وأعطيه لبنات أصغر منى يذهبن إلى المدرسة حتى يعلمونى كل ما يتعلمونه فى المدرسة، ومن الطريف أنه كانت من ضمن البنات بنت مستواها الدراسى ضعيفا لذلك كانت دائما تعاقب بالضرب فى المدرسة، فكانت تعطينى الواجب الذى أخذته فى المدرسة ولازم تضربنى مثلما تضرب هى فى المدرسة. بداية المشوار بعد مرور شهر عاد أخى من القاهرة ووجدنى أكتب أسمى وأتهجى حروف أسمه وكانت فرحة لا توصف وبدأ يشجعنى بمنحى حلوى «العسلية والملبن» وبدأت أتقدم فى القراءة والكتابة, وفى الزيارة التالية لأخى أحضر بعض الكتب والروايات وقال لى نبدأ فى الجد بقراءة هذه الكتب ومناقشتها، فقرأت كتبا وروايات وقصصا وأشعارا كثيرة، منها رواية قنديل أم هاشم ليحيى حقى, وحمار الحكيم, البوساء لفيكتور هوجو وسارة للعقاد. النداهة مرت السنوات وظهر الكمبيوتر، وأول مرة شاهدته كنت فى زيارة إلى أخى فى القاهرة أو النداهة كما أطلق عليها لأن من يذهب إليها لا يعود إلى بلده مرة أخرى، وشاهدت الكمبيوتر وجلست أمامه وأنا لا أعرف ماذا أفعل، ولكنى أحسست أننى لابد أن أتعلمه وقام أخى بكتابة أسمى فى محرك البحث وكانت النتيجة لا شىء وضحك وقال لى: أنت مجهولة الهوية, ثم بدأت أراقبه كيف يعمل عليه وفى مرة من المرات انتهزت عدم وجوده وفتحت الكمبيوتر وبدأت أبحث فى الملفات وطبعا مسحت ملفات مهمة وبرامج لكن تعلمت كيف أجلس أمام هذا الجهاز وأتعامل معه وظننت أن الدنيا ابتسمت لى وأن العالم أصبح ملك يمنى, وكنت كل زيارة أتعلم عليه بعض الأشياء إلى أن فوجئت فى إحدى الزيارات أن أخى اشترى كمبيوترا جديدا وأعطانى القديم هدية لى حتى أعمل عليه وبالفعل تعلمت أكثر وأصبح لى حساب على الفيس بوك ، وهنا شعرت أننى دخلت فى دنيا جديدة جعلتنى أكثر جراءة وشجاعة من قبل, وارتبطت زيارتى للقاهرة بالمفاجآت الجميلة، ففى كل زيارة يجهز لى أخى الحبيب مفاجأة اجمل من الأخرى, ذات مرة أشترى لى كرسيا متحركا حتى يساعدنى على الحركة وقتها شعرت أننى مشيت من الفرحة. ولأن الرياح دائما تأتى بما لا تشتهى السفن، فقدت منبع الأمان بالنسبة لى ومصدر الدعم بوفاة أخى، ولم أحتمل الصدمة، فبقيت عشرين يوما لا أتمكن من النوم حتى حدثت لى حالة إغماء من شدة التعب، ولم يكن بداخلى أى رغبة فى الحياة، ولكن كلمات والدتى وهى جالسة بجوارى تذكرنى بما قاله لى أخى بأنه يريدنى مكانه جعلتنى أبدأ فى مقاومة اليأس حتى تغلبت على تلك الأزمة. تأهيل الفتيات وفي النهاية تقول وفاء: حلم حياتي أن يكون هناك دار للفتيات المعاقات في كل محافظة يضم البنات من مختلف أنواع الإعاقات اللاتي حرمن من التعليم، وتكون مزودة باخصائيين نفسيين وتربويين حتي يتم تأهيل هؤلاء الفتيات وتتمكن من تعلم حرفة يدوية تكون مصدر دخل لها يعينها علي العيش، فهل يتحقق حلمي وترفع المعاناة عن الفتيات المعاقات خاصة من ليس لهن عائل أو سند في الحياة؟