تسببت التداعيات الاقتصادية السلبية للثورة, والمتمثلة في اغلاق عشرات المصانع وارتفاع حجم الطاقات العاطلة بالمصانع وزيادة العجز بالموازنة, وانخفاض موارد النقد الأجنبي وتراجع الاحتياطيات من العملات الأجنبية, وضعف الاقراض المصرفي, في اطلاق البعض تحذيرات من أن مصر أصبحت علي شفا الافلاس. وعزز تلك المخاوف اضطراب الاوضاع الامنية في عدد من المدن والقري, واستمرار الاحتجاجات الفئوية, التي تعدت مرحلة الهتافات, ورفع اللافتات إلي مرحلة احتجاز المسئولين في مقار عملهم, وسقوط ضحايا من بين المتظاهرين ما بين قتلي وجرحي. لكن العدد الاكبر من الخبراء يرون أن مصر مازالت بعيدة عن الافلاس نظرا لعوامل عديدة, ابرزها ان الإفلاس يأتي نتيجة العجز عن سداد اعباء الدين الخارجي, بينما تشير بيانات البنك المركزي المصري, إلي بلوغ اعباء الدين الخارجي عن العام المالي الأخير2.8 مليار دولار, موزعة مابين2.1 مليار دولار للأقساط و636 مليونا لفوائد الدين الخارجي وهي مبالغ يمكن تدبيرها حيث ظلت مصر تسدد ما عليها من التزامات تجاه الدين الخارجي خلال الأشهر الماضية. ويزيد الطمأنينة ان نسبة الدين الخارجي قصير الاجل إلي إجمالي الدين الخارجي تقل عن8% بما يعني تفوق نصيب الدين متوسط وطويل الأجل والممتد حتي عام2050, كما تقل نسبة خدمة الدين الخارجي إلي قيمة الصادرات السلعية والخدمية إلي5.7% فقط. والأمر نفسه مع تراجع قيمة الاحتياطيات من النقد الأجنبي إلي22 مليار دولار, والتي مازالت تغطي واردات سلعية لأكثر من خمسة أشهر, وهي فترة مناسبة بالقياس إلي الكثير من الدول التي يقل بها معدل تغطية الاحتياطيات للواردات عن ذلك.,ومن العوامل الإيجابية أيضا ان عددا من موارد النقد الأجنبي قد زادت قيمتها خلال العام المالي الأخير عن العام المالي الأسبق, وابرزها الصادرات السلعية غير البترولية والصادرات البترولية والغازية, وتحويلات المصريين العاملين بالخارج وقناة السويس وحصيلة خدمات النقل, وعلي الجانب الآخر فقد تراجع معدل نمو الواردات السلعية,وإذا كانت السياحة قد تأثرت بشدة فإنها لم تتوقف تماما, وإن كانت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر قد تراجعت بشدة, نتيجة صدور احكام باسترداد شركات وأصول تم بيعها مسبقا وفسخ عقود شركات تم بيعها. ولم يخل الأمر من بعض الاستثمارات الأجنبية المحدودة, كما ان الحكومة قد وعدت بالقيام بتسويات مع المستثمرين المتضررين, كذلك طعنت علي الحكم القضائي باسترداد بعض الشركات التي تم خصخصتها, حتي لا يتوسع هؤلاء في اللجوء إلي التحكيم الدولي,كذلك استقرار المؤشرات المصرفية حيث زادت ارصدة الودائع والقروض والاستثمارات ورءوس أموال البنوك حتي يوليو الماضي, عما كانت عليه في نهاية العام الماضي, استمر النشاط الاقتصادي في الغالب الاعم حيث استمر كثير من المواقع الإنتاجية في عمله, واستمرت الصادرات السلعية, واستمر كثير من إيرادات الموازنة خاصة ضرائب الدخل وضرائب المبيعات والضرائب الجمركية والدمغة, كذلك استمرار المنح الخارجية خاصة من بعض الدول الخليجية. كما اصبح الباب مفتوحا للاقتراض من صندوق النقد الدولي للإسهام في سر العجز بالموازنة, والذي يعتمد حاليا بشكل كبير علي التمويل المحلي خاصة من البنوك, ويضاف إلي كل ذلك وجود قطاع اقتصادي ضخم يمثل الاقتصاد الموازي غير المسجل, يقدره البعض بنحو ثلث الناتج المحلي الإجمالي والذي يساعد في إنتاج السلع والخدمات ويستوعب ملايين العاملين, بما يعوض جزئيا تراجع معدلات النمو بالاقتصاد المسجل,وإذا كانت الاضطرابات الامنية قد زادت معدلاتها أخيرا, فلابد من الأخذ في الحسبان أنه إذا كانت قد وقعت احداث عنف بين قريتين في سوهاج. فإن غالب قري سوهاج البالغ عددها270 قرية تعيش في سلام. وكلما زادت الحكومة من وتيرة تحركها كما زادت عوامل التفاؤل والثقة, ولعل إعلان التوقيتات الزمنية للانتخابات البرلمانية, احد الشواهد لتحقيق تقدم علي المشهد السياسي, بما يؤدي إلي حكومة منتخبة ويفضي بعدها إلي انتخابات رئاسية, ليعود الجيش إلي ثكناته وتعود الحياة مرة أخري, بما لها من تأثير إيجابي علي الديمقراطية وزيادة معدلات الثقة, والتي تعكس آثارها الإيجابية علي مناخ الاستثمار وزيادة معدلاته سواء من الداخل أو الخارج.