لم أكن مبالغا ولا متجاوزا عندما كتبت يوم الأحد الماضى أن بوتين يستحق استقبالا شعبيا وتاريخيا وقد بنيت رأيى هذا على ما كان متوفرا من معلومات حول الملفات المهمة والحساسة التى أبدى الروس فى المحادثات التمهيدية للزيارة استعدادهم لمناقشتها وتلبية كل ما من شأنه أن يدعم الموقف المصرى فى مواجهة الهجمة الشرسة التى تتعرض لها مصر من دوائر دولية عديدة عقابا لها على دورها فى إنقاذ المنطقة من سيناريوهات الفوضى الهدامة بالخروج الكبير يوم 30 يونيو لإنهاء حكم الإخوان الذين كانوا قد تعهدوا لأمريكا وحلفائها الغربيين بتفكيك الدول العربية على غرار ما حدث للعراق المنكوب على يد بول بريمر عام 2003 ولكن هذه المرة بأصابع عربية تنفى شبهة التدخل الأجنبى الذى انكشف وانفضح فى المسألة العراقية وتوابعها فى ليبيا وسوريا واليمن. وفى اعتقادى أن المفاجأة الكبرى التى حدثت خلال محادثات السيسى وبوتين وتجاوزت أكثر أحلامنا طموحا وجعلت الزيارة أكبر من أن تكون فقط مجرد زيارة تاريخية هو الاتفاق على إلغاء التعامل بالدولار الأمريكى فى التبادل التجارى بين البلدين واستبداله بالعملة المحلية «الجنيه المصرى مقابل الروبل الروسى». إن هذا القرار الأسطورى يعيد إلى الذاكرة أياما مجيدة شهدتها العلاقات بين القاهرة وموسكو خصوصا بعد حرب يونيو 1967 عندما وقف الاتحاد السوفيتى بكل قوة لمساندة مصر على سرعة إزالة آثارالعدوان من خلال اعتماد مبدأ «تبادل السلع» فى تغطية احتياجات مصر من السلاح مقابل سلع مصرية يتم تصديرها إلى الاتحاد السوفيتى لعدم إرهاق مصر بتدبير العملات الصعبة اللازمة لذلك وتوفيرها لتدبير الاحتياجات الضرورية الاستيرادية مع العالم الخارجى. وظنى أن مثل هذه القرارات الجريئة لا يقدر عليها سوى زعماء تاريخيين من نوعية السيسى وبوتين اللذان غلبا المصلحة الوطنية لبلديهما فوق أى اعتبارات أو حسابات أخرى استنادا إلى أن مبدأ التعامل السلعى موجود فى عديد من العلاقات الدولية حتى اليوم وامتدادا لتراث تاريخى متعارف عليه من قديم الزمان قبل الدخول فى عصر سك النقود وإصدار العملات. والخلاصة أنه من أجل المصلحة الوطنية فليذهب الدولار إلى الجحيم! خير الكلام: يا حلما قد داعب أعيننا طويلا.. نراك اليوم رؤى العين تدهشنا! [email protected] لمزيد من مقالات مرسى عطا الله