لم تكن مخرجات المشهد اليمنى الأخيرة بسيطرة الحوثيين على الدولة وانقلابهم على الشرعية بإعلانهم الدستورى وتشكيل مجلس رئاسى وبرلمان مؤقت ولجنة أمنية , أمرا مفاجئا بل هو نتيجة طبيعية لمدخلات تجرى منذ سنوات وتكثفت فى الشهور الأخيرة, بل الأخطر أنه قد لا يكون الفصل الأخير فى المشهد ما لم يكن هناك تحرك واع عاقل لاستيعاب الأمور ويصبح اليمن فى مهب الريح. إشكالية اليمن الأساسية وثلاثية الأبعاد, كغيرها من دول الربيع العربى, والتى أوصلت الأمور إلى هذه المرحلة, أولها تعدد الفاعلين فى المشهد, ما بين الحوثيين والدولة والقوى الثورية والأحزاب السياسية وتنظيم القاعدة, وتناقض مصالحهم وأجنداتهم وأيديولوجياتهم وتشابكاتهم الخارجية, وغياب قواعد واضحة وموحدة لإدارة العملية السياسية وفق أهداف مشتركة تعلى مصلحة اليمن العليا, وتقوده إلى الطريق الذى يحقق من خلاله أهداف ثورته فى العيش والحرية والديمقراطية والتنمية. وثانيها أن كل طرف يدير التفاعلات السياسية وفق المنطق العسكرى والأمنى ونظرية المباراة الصفرية واستخدام القوة المسلحة لفرض الأمر الواقع وتوجيه المسار السياسى وفق أجندته ورؤيته, وفى إطار موازين القوى على الأرض. وثالثها الدور الخارجى السلبى والمتشابك مع العديد من أطراف الأزمة خاصة الدور الإيرانى الخطير فى دعم الحوثيين لتقوية النفوذ الإيرانى فى هذه المنطقة الاستراتيجية ومحاصرة باب المندب ومدخل البحر الأحمر, فى إطار نظرية الكماشة ومطرقة الدور الإيرانى فى سوريا والعراق شمالا وسندان الحوثيين فى اليمن جنوبا, وهو ما يشكل مخاطر استراتيجية على الأمن القومى العربى. ولذلك كان من الطبيعى أن يتحالف الحوثيون مع نظام على عبد الله صالح وحزبه المؤتمر لفرض موازين قوى جديدة وخريطة طريق للعملية السياسية, ولا يمكن الإدعاء أن قوة الحوثيين بحد ذاتهم قادرة على فرض سيطرتهم على البلاد فى أيام معدودات دون دعم وتحالف مع عناصر النظام السابق ودعم إيرانى واضح, غير أن انقلاب الحوثيين لم يكن فقط على الشرعية والرئيس عبد الهادى منصور والقوى الثورية واتفاق الشراكة والسلم لتقاسم السلطة, وإنما الانقلاب أيضا على تحالفهم مع حزب المؤتمر بعدما حلوا البرلمان الذى يسيطر عليه الحزب, وهو ما زاد من تعقد الأزمة ووضع سيناريوهات مفتوحة لحلها. وبالطبع فإن تداعيات التطور الأخير فى اليمن ليست فقط وضع عقبات حقيقية أمام الأفق السياسى فى حل الأزمة سلميا عبر المفاوضات, ونزع فتيلة الانفجار وانزلاق البلاد إلى حرب أهلية, فى ظل رفض العديد من المحافظات اليمنية والقوى الثورية لانقلاب الحوثيين, وفى ظل مجتمع تتجاوز فيه عدد الأسلحة أعداد المواطنين, وإنما أيضا فى احتمالات تطاير شظايا الوضع اليمنى إلى خارج البلاد, بما يغذى حالة عدم الاستقرار الأمنى والسياسى الإقليمى. كما أن إصرار الحوثيين وسعيهم لفرض واقع جديد على البلاد تحت إغراء القوة ودون التفات للمعارضة الداخلية والإقليمية والدولية لانقلابهم على الشرعية, يدفع فى اتجاه الخيار العسكرى, وما له من تداعيات كارثية على مستقبل البلاد, ويهدد بتهاوى الدولة ذاتها ويجعل البيئة اليمنية أكثر سيولة وهلامية, مع تصاعد نبرة الحراك الجنوبى واستغلال هذه الأوضاع لإثارة مسألة انفصال الجنوب, كذلك توظيف تنظيم القاعدة فى جزيرة العرب لهذه الأوضاع لتصعيد عملياته فى أنحاء اليمن. المخرج من الأزمة اليمنية لن يكون عبر الحل العسكرى أو الدخول فى مواجهات مسلحة, وإنما عبر حل سياسى حقيقى وشامل يرتكز على أمرين: الأول: أن الحل بأيدى اليمنيين أنفسهم واقتناعهم أن تكلفة السلام والحوار أقل بكثير جدا من تكلفة الصراع المسلح وإزكاء نار الطائفية والقبلية, وأن يكون هناك اتفاق واضح بين الجميع على الحفاظ على وحدة واستقرار وسيادة اليمن وتكريس الديمقراطية الحقيقية التى تستوعب جميع الاتجاهات السياسية والدينية, بمن فيهم الحوثيون أنفسهم وأن يكونوا جزءا من المشهد, وليس ابتلاع المشهد كله عبر القوة العسكرية, ولذلك من المهم إنهاء الانقلاب الحوثى, والعودة مرة أخرى إلى طاولة الحوار الوطنى بين جميع الأطراف للاتفاق على خريطة طريق واضحة وشاملة للبلاد, وتشكيل حكومة وحدة وطنية تشمل جميع ألوان الطيف السياسى وتقود البلاد فى هذه المرحلة الانتقالية الصعبة. والثانى: أن يكون الدور الخارجى إيجابيا فى حل الأزمة والضغط على جميع الأطراف للاحتكام إلى الحوار وحل الأزمة سلميا, كما يتطلب الأمر طرح مبادرة خارجية جديدة بالتعاون بين الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجى, وبمساعدة من الأممالمتحدة عبر وسطيها جمال بن عمر, وأن تساعد هذه المبادرة اليمنيين أنفسهم فى تغليب لغة العقل والحوار ومنع انزلاق البلاد إلى سيناريو الحرب الأهلية, وأن تكون هناك عقوبات صارمة ضد أى طرف ينتهك مخرجات الحوار أو يحتكم إلى السلاح. ولاشك أن الأوضاع المتفاقمة فى اليمن تتطلب تحركا عربيا ودوليا سريعا لمنع وصول البلاد إلى سيناريوهات كارثية, وتصل إلى نقطة يصعب العودة عنها, خاصة مع تعنت الحوثيين والدعم الإيرانى لهم ومراهنة النظام القديم على العودة باليمن إلى الوراء, وهو أمر ليس فى مصلحة اليمنيين ولا فى مصلحة المنطقة بأكملها. لمزيد من مقالات احمد سيد احمد