لم يسلم أشرف الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم- حيًّا وميًّتا- من التطاول عليه من أقزام وصغار يحاولون الإساءة إليه، وهو الذي لم يُرسل لقوم دون قوم أو جنس دون آخر؛ إنما كان رحمة للعالمين «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»، وعلى الرغم من هذه الرحمة المطلقة فإنه لم ينجُ من أذى لفظي أو جسدي أو معنوي؛ فهذه قريش قد آذته وأخرجته من أحب البلاد إلى قلبه، ولمَّا ذهب إلى الطائف لم يسلم من أذى أهلها للدرجة التي لم يكتفوا فيها بالأذى اللفظي؛ بل أطلقوا عليه سفهاءهم وغلمانهم يرمونه بالحجارة حتى يسيل الدم من قدمه الشريفة صلى الله عليه وسلم، فيجلس في ظل حائط بستان يدعو الله لا لينتقم منهم أو يهلكهم بل يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئًا. ففي هذه الرحلة نزل عليه ملك الجبال مع جبريل عليه السلام، يقول له: يا محمد، إن الله قد أرسلني إليك، فمرني بما شئت، إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين (أي أَحمل الجبلين فأطبق على البلدة الجبلين فيموت الجميع انتقامًا لك)، لكنه صلى الله عليه وسلم يأبى أن تخرج كلمة من بين شفتيه في هذا الموقف الذي اشتد فيه أذاهم له- للدرجة التي شكا فيها إلى الله من الضعف والهوان الذي لحقه جراء أذاهم- تحدد مصيرهم بالسوء؛ إنما قال: «كلا، بل أدعو الله أن يُخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يُشرك به شيئا»، فهل يستحق صاحب هذا الخلق الرفيع والقلب النقي أن يُساء إليه؟!. بالطبع لا، لكن كيف يكون ردنا علي من أساء إليه عليه الصلاة والسلام؟ وكيف تكون نصرتنا له صلى الله عليه وسلم؟ كان رد النبي للإساءة التي وجهت له طيلة حياته في كل حالاته نموذجا يحتذي به ودرسا يؤكد- بما لا يدع مجالا للشك- بأنه صلوات ربي وسلامه عليه رحمة للعالمين، وأنه كان معلمًا أتى لكي يعالج تلك الأمراض التي فشت وانتشرت في تلك المجتمعات، فقد كان يحث على العطف على الناس جميعًا فيقول: «لا يرحم الله من لا يرحم الناس» هذه الدعوة شملت الناس جميعًا دون اعتبار لجنس أو دين؛ بل جاءت مطلقة، فقد روى البخاري في باب رحمة الناس والبهائم حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم غرس غرسًا فأكل منه إنسان أو دابة إلا كان له صدقة» فالإسلام هو دين السماحة والرحمة الذي يسع الناس جميعًا. وإذا كان البعض يتعمد الإساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم غير مبالٍ بمشاعر المسلمين، بحجة حرية الرأي والتعبير، فهذا لا بد أن يرد عليه ويجابه، فالإسلام لم يكن يومًا ضد حرية التعبير والرأي، وهو الذي أرسى مبدأ الشورى بين المسلمين، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل برأي أصحابه، وهو من يوحى إليه صلى الله عليه وسلم ويعمل به. وهنا يتضح دورنا في نصرة النبي صلى الله عليه وسلم، والتي تكون من خلال أمرين، أولهما أن ننصره صلى الله عليه وسلم في أنفسنا ومن خلال التأسي به في أخلاقنا وأفعالنا، وثانيهما يتمثل في بيان صحيح الدين وأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم للآخرين. فعن نصرته صلى الله عليه وسلم في أنفسنا يكون بالتمسك بسنته وإحيائها قولا وعملا، ونشرها، قال تعالى: «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا»؛ وتكون باستشعار محبته صلى الله عليه وسلم في القلوب من خلال اتباع أخلاقه وسجاياه الشريفة ومنهجه، والانقياد لأمر الله تعالى بالدفاع عنه ومناصرته وحمايته من كل أذى يراد به، أو نقص ينسب إليه، لقوله تعالى: «لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه»، وتكون بالوقوف على سيرته العطرة وحوادثها موقف المستفيد من حكمها وعبرها، والاستفادة من الفوائد المستخلصة من كل حادث منها، ومحاولة ربطها بحياتنا وواقعنا لكي نقدم للناس نموذجًا للمسلم الذي يتبع المنهج النبوي الشريف. وعلى مستوى الأسرة، نربي أبناءنا على محبته صلى الله عليه وسلم، والاقتداء به وبمنهجه، وأن يحرص الأبوان على تقديم النموذج الأمثل في أنفسهما، من خلال هديه صلى الله عليه وسلم، وبيان مواقفه مع أهله وجيرانه، كما أنه لا بد من تصحيح المفاهيم الخاطئة التي تسيء إلى هذا الدين، خاصة تلك التي تحض على الغلو والتطرف «لا تغلو في دينكم»، ويكون ذلك من خلال ترسيخ المفاهيم الصحيحة عن الدين في نفوسنا ونفوس أبنائنا. أما بخصوص نصرته صلى الله عليه وسلم أمام الآخرين، فكما أسلفنا يكون شقها الأول هو سلوك المسلم نفسه المتأثر بالمنهج النبوي الشريف قولا وفعلا وعملا، وشقها الثاني يتمثل في إدانة أي أذي يطاله صلى الله عليه وسلم، مع تأكيد أن يكون ردنا بعيدًا عن أي عمل يسيء للإسلام، مع تأكيدنا رفض العنف بأي شكل من الأشكال. وهذا الرد يكون بشكل عملي يظهر في الخطاب الإسلامي الموجه سواء للداخل أو الخارج، الذي يحمل الردود الرصينة، من خلال المؤتمرات العالمية، التي تبين سماحة الإسلام ويسره، وأن ما يوجه ضد النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو من قبيل الكذب والافتراء، بجانب أن تحمل رسالة مهمة للعالم مفادها أن شخصية النبي صلى الله عليه وسلم شخصية محورية لا يمكن تجاوزها أو العبث بها. كم أنه لا بد من إعداد برامج للتعريف بالنبي صلى الله عليه وسلم، وبخصائصه وشمائله، خاصة في المجتمعات الغربية، والإشراف على إصدار بعض الدوريات التي تبين خلقه الشريف في التعامل مع الآخر، ومواقفه صلى الله عليه وسلم، بالإضافة إلى التعاون فى إنشاء مشروع يضم قاعدة بيانات كبيرة تطلق على الشبكة العنكبوتية بلغات مختلفة تضم المعلومات الصحيحة عن الدين الإسلامي ورسوله الكريم، وتدرأ الشبه والأكاذيب الذي يروجها الآخر، وبهذا نكون قد قمنا بواجبنا حقًّا في نصرة نبينا بعيدًا عن العنف الذي لا يزيد الأمر إلا سوءًا. لمزيد من مقالات د شوقى علام