لم يكن استقبال الرئيس عبد الفتاح السيسي في الكويت غريبا عن شعب محب وعاشق لمصر، ولكن في تلك الزيارة عبر القادة الكويتيون وأهل الكويت عن تقدير أكبر لدور الرئيس السيسي في إعادة الأمور إلي نصابها، ليس في مصر فقط، بل في العالم العربي بعد الثورة الشعبية في 30 يونيو 2013 التي يراها الكويتيون دائما قاطرة الأمة العربية وركيزة توازنها في الحاضر والمستقبل. في كل لقاءات الرئيس كانت تتردد عبارة «استقرار مصر» كما لو كان الأشقاء في الكويت يتحدثون عن بلدهم، ولم تكن مجرد عبارات مجاملة، ولكنها كانت عرفانا وتقديرا لدور مصر في بناء الكويت في الستينيات وفي عملية تحرير أراضيها في التسعينيات من القرن الماضي. فزيارة الكويت أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن هناك جبهة عربية صلبة تقف إلي جانب مصر في معركة البناء والتنمية والتقدم التي انطلقت بعد انتخاب الرئيس في الصيف الماضي، وكل زيارة من تلك الزيارات للعواصم العربية الشقيقة تحمل رسائل طيبة للمصريين وأنباء سيئة للمعسكر الكاره للتغيير في مصر نحو الاستقرار والتنمية الذي لا يدخر جهدا في توظيف آلة تخريبية وإرهابية وإعلامية في محاولة يائسة لوقف مسار التحول السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد. إدراك قادة الكويت ورموز المجتمع من سياسيين واقتصاديين ورجال أعمال حجم ما يدبر ضد مصر بلا هوادة وفي أكثر من اتجاه، يؤكد بامتياز أن مواقفهم نابعة من سياسة كويتية راسخة تجاه الأمن القومي العربي والتعاون العربي، وقد كانت كلمات سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح وكبار شيوخ الأسرة الحاكمة ورئيس مجلس الأمة والوزراء ورموز المجتمع تلخيصاً لكل تلك المواقف المحترمة لقيادة وشعب الكويت تجاه مصر. مجتمع المال والأعمال: حصاد جيد وحديث صريح إلي جانب البعد السياسي والإستراتيجي في العلاقة بين البلدين، كانت لقاءات الرئيس بمجتمع المال والأعمال الكويتي أكثر من موفقة في تهيئة مشاركة رءوس الأموال الكويتية في مشروعات التنمية المرتقبة وفي التحضير لمشاركة أوسع في مؤتمر دعم الاقتصاد المصري في مارس المقبل، فقد دعا السيسي القطاع الخاص الكويتي إلي عدم انتظار المؤتمر وزيارة مصر للتعرف عن قرب على الفرص الاستثمارية، مؤكدا أن الأشقاء سيحتلون موقعا متميزا علي قائمة المستثمرين من منطلق منح رءوس الأموال العربية أولوية تليق بعلاقات الأخوة بين الأقطار العربية. كما أبدي السيسي تفهما لما قد يجول في خاطر المستثمرين من تخوفات بسبب البيروقراطية العتيقة فقال إن حكومته سوف تسعي لإزالة اي معوقات قد تواجه الاستثمارات الكويتية في مصر ووعد بإنهاء الروتين من أجل تسريع عملية التنمية الاقتصادية والتجارية. وفي اجتماعه مع رجال الأعمال الكويتيين قال السيسي «إن الباب مفتوح لكل مستثمر كويتي يرغب في الاسهام بتطوير العلاقات الاقتصادية الثنائية» وأن مصر لديها فرص تجارية واستثمارية مفتوحة امام القطاع الخاص الكويتي. فى اللقاء مع الإعلاميين المصريين، ألمح الرئيس السيسى إلى ما سمعه من رجال الأعمال الكويتيين من استعدادهم لضخ استثمارات ضخمة فى مصر، غير أنهم يريدون الاطمئنان على سلامة المناخ الاستثمارى وطرحوا تساؤلات حول اشكالية نقص الطاقة ومشاكل تسعيرها وهما العمود الفقرى لزيادة معدلات الاستثمار الخارجى وأجاب الرئيس أن مصر ستتعاقد مع الصين على استيراد محطات جاهزة لإنتاج الكهرباء تضيف نحو 18 ألف ميجاوات، بينها نحو 4 آلاف ميجاوات فى الصيف القادم بما ينهى الأزمة التى خيمت على البلاد الصيف الماضي. وأوضح السيسى أنه فى حالة موافقة الصين على توريدها مقابل قرض منسق طويل الأجل سنتمكن خلال فترة السماح من تحقيق تقدم فى مجال تحسن الأداء الاقتصادى بما يسمح بسداد هذا القرض. كما طرح المستثمرون مسألة الخروج الآمن للاستثمارات وتحويل أرباح المشروعات وهو الأمر نفسه الذى تحدث فيه المستثمرون مع السيسى فى زيارة الصين، فقال الرئيس «إن الضمان هو أننا دولة مؤسسات ولسنا نظام حكم يتغير بتغير الأفراد، فالمستثمر يتعاقد مع مصر وليس مع النظام، وسبق لى أن قلت ذلك، كما أنه لم يحدث أن أخلت مصر بالتزاماتها بتغير الأنظمة فيها». كان الحديث عن الباب المفتوح أمام الاستثمار الخارجى من خلال إجراءات محددة لعلاج البيروقراطية الحكومية والحديث عن سرعة الإنجاز وكسب الوقت فى مواجهة التحديات التى تواجه الداخل المصرى رسائل موفقة فى خطاب الرئيس إلى نخب المال والأعمال الكويتية وبالقطع يتردد صداها خارج الكويت أيضا حيث حسابات المستثمرين فى المكسب والخسارة أكثر تعقيدا من حسابات العلاقات الودية بين الشعوب. وقد جاءت محطة الكويت فى الجولات الخارجية للرئيس السيسى بمثابة نقطة المنتصف حيث زار روسيا وإيطاليا وفرنسا والصين ويستعد خلال أيام لزيارة الإماراتوالبحرين والسعودية وبينها يستقبل رئيس وزراء اليابان والرئيس الروسى فلاديمير بوتين. لم ينس الرئيس فى لقائه مع الصحفيين والإعلاميين المصريين على هامش الزيارة أن يدعو من جديد إلى نبذ الفرقة التى تسود الوسط الإعلامى اليوم وتناول مجددا ضرورة أن يكون الإعلام القومى والخاص قوة مضافة وقال «مصر تحتاج أن نعمل جميعا فى سياق ان الإعلام قوة ضاربة حقيقية ذات دور مهم وكبير فى إعادة اصطفاف المصريين فى مواجهة الخطر الحقيقى الذى تواجهه مصر» وهى الرسالة التى لا يتردد السيسى فى تنبيه الإعلاميين المصريين إليها فى كل لقاء وفى كل جولة خارجية.. هناك عين على الداخل بكل تفاصيله .. وعين أخرى على الخارج بكل تخوفاته وأسئلته المشروعة عن مستقبل بلد تحفه المخاطر لكن السيسى هو عنوان مرحلة جديدة هزم فيها الشعب الخطر الداهم بوقوفه ساعة الحسم فى مواجهة جماعات الإرهاب التى هددت مصير الدولة نفسها وهى اللحظة التى يفهمها جيدا الأشقاء فى الكويت ودول الخليج الداعمة لمصر والأصدقاء فى بكين وموسكو وعواصم أخرى تساند مصر اليوم. وبمناسبة ما جرى فى الأسابيع الأخيرة من تطورات فى ملف العلاقات بين مصر وقطر، كانت زيارة الكويت كاشفة عن بعض الأمور حيث ترفض عواصم خليجية مسألة تحميل مصر أدنى مسئولية فى شأن ما جرى أو مستقبل العلاقات بين القاهرةوالدوحة وترى أن هناك من يسعى لجر مصر إلى خانة الطرف الذى يستحق اللوم بينما لم تفعل مصر وشعبها ما يستوجب اللوم. إن ما تتحدث عنه دوائر الإعلام والدبلوماسية عن مصالحة هو مجرد تعبير عن «أمنيات طيبة» وليس حديثا عن «حلول جذرية» والفارق كبير فى المقدمات والنتائح فى الحالتين, فأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثانى لم يكن متحمسا للتوقيع على الاتفاق التكميلى لقمة الرياض، والذى مهد لاتفاق بين دول الخليج حول العلاقات مع الدوحة بعد توتر بسبب دعم قطر لجماعة الإخوان، وقال للقادة الخليجيين إنه يريد أن يقرأ ويراجع الاتفاق أولاً قبل التوقيع وهو ما أثار حفيظة بعض الأطراف الخليجية وتساءلت: عمن سيتم مراجعته لدعوته هو للتوقيع على الاتفاق؟!! وخرجت هذه الأطراف بانطباع رغم توقيعه فى نهاية الأمر أن الأمير الوالد صاحب المواقف المتشددة تجاه مصر مازال هو الحاكم الفعلى من وراء الكواليس. كما ان هناك تخوفات مستترة فى دول الخليج من عدم إمكانية وفاء قطر بالتزامها بوقف الحملات التحريضية ضد مصر ويضربون مثالا بما يحدث من الدوحة ضد البحرين برغم إنهاء النزاع حول جزر «حوار»، والذى لم ينه الهجوم القطرى من آن لآخر على البحرين. فبرغم وجود حكم ملزم وغير قابل للاستئناف من محكمة العدل الدولية بشأن النزاع الحدودى الذى استمر قرابة خمسين عاما. فقد أعلنت المحكمة أن قطر لها السيادة على عدد من جزر الأرخبيل وقضت للبحرين بالسيادة على جزر حوار وجزيرة قطعة جرادة على أن يكون لسفن قطر التجارية حق المرور السلمى فى المياه الإقليمية للبحرين الواقعة بين جزر حوار والبر البحريني وهو ما لم تستقبله الدوحة بشكل يحترم حكم المحكمة الدولية وتثير من وقت إلى آخر قلاقل إعلامية حول دولة البحرين. {{
زيارة الرئيس السيسى للكويت كانت حميمية بما يتفق مع العلاقات الوثيقة بين البلدين ورسالة أمل أن هناك حوارا متواصلا بين السيسى ومن يرغبون فى الاستثمار وتدعيم الاستقرار فى مصر حيث اللقاءات، وجها لوجه، تمهد الطريق لمضاعفة حجم المكاسب التى تصب فى مصلحة الاقتصاد المصرى وتضع الأجهزة الحكومية والمؤسسات الفاعلة فى الدولة أمام اختبار حقيقى لإظهار قدرتها على كسر حالة الجمود وأن تكون على مستوى ما يفعله الرئيس السيسى اليوم فى جولاته شرقا وغربا من أجل استثمار كل الفرص واستعادة ما فات من مصر والمصريين..
رسالة رئيس مصر إلى العالم
لو كان أى رئيس سابق يعلم أن زيارته للكاتدرائية المرقسية ليلة عيد الميلاد ومشاركته أبناء وطنه من المسيحيين هذا الاحتفال سيكون لها مفعول السحر مثلما حدث مع الرئيس عبد الفتاح السيسى مساء الثلاثاء الماضى لما توانى عن فعل ذلك.. الرئيس كسر حواجز كثيرة فى تلك الليلة وهدم جدارا باردا كان فى حاجة الى رئيس يؤمن بالمواطنة قولا وعملا ويحمل رؤية صافية للعلاقة بين مسلمى مصر ومسيحييها حتى يسقطه تماما.. لم يكن السيسى فى زيارته للكاتدرائية يمثل مؤسسة الرئاسة فقط ولكنه كان يمثل تاريخ الحكم والسلطة فى مصر التى شهدت تعايشا فريدا على مر العصور بين كل المعتقدات والأديان وبقيت دور العبادة والأديرة والمعابد قائمة حتى يومنا هذا وحتى جاء خوارج العصر يريدون الانقضاض على ميراث جميل حتى وإن كان قد أصابه بعض البقع السوداء.. رسالة السيسى ليلة الميلاد لم تكن الى المصريين فقط ولكنها كانت الى العالم بأسره أننا بلد صانع للحضارة ولا يعنى تراجعه بين الأمم اليوم اقتصاديا أن معينه من التحضر والتعايش الراقى قد نضب وأن ساعة الشدائد يكون كل المصريين يدا واحدة فى مواجهة الخطر وفى مواجهة الجهل والتطرف وما ترونه فى سوريا والعراق وليبيا ليس هو عنوانا لشعوب المنطقة ولكنه عنوان لإرهاب مصنوع فى معامل دول أخرى وفى أروقة السياسة العالمية التى تدفع المنطقة ثمن صراعاتها التى لا ترحم. القيمة العليا التى أرساها السيسى أن التشدد من جانب البعض حول علاقات المصريين ببعضهم البعض وحول أحكام تبادل التهانى وغيرها من الأمور الغريبة على مجتمعنا آن الأوان أن تختفى من الخطاب العام لأنها ليست من نبت هذا الشعب ولا من وشائج الصلات بين أبنائه بل هى أفكار استقرت لأنه لم يوجد من يملك الجرأة على نقضها. تلك صورة مصر التى نريد للعالم كله أن يراها وان يعلم أن مصر قد اختارت فى 30 يونيو طريق التعايش والتراحم والمساواة بين كل مواطنيها وليس طريق الدمار والخراب مثلما يجرى فى دول أخرى يتهددها خطر الفناء وهى رسالة يجب أن تصل بها الجاليات المصرية فى الخارج بكل جسارة الى دوائر صناعة القرار فى الغرب حتى يعلموا أن مصر تدفع اليوم ثمن وقوفها فى وجه أعداء الحياة من دم شبابها ولو تركت مصر على حالها دون ثورة شعبية ضد جماعات الإرهاب لكان التمزق هو مصير هذا المجتمع.. ملامح الرضا والقبول والامتنان التى كست وجوه إخوتنا المسيحيين فى تلك الليلة تقول ان فى هذا البلد من رصيد حب وتسامح وتعايش جميل ما يستحق أن ندافع عنه ونظهره للعالم.. كل عام والمصريين بخير. لمزيد من مقالات محمد عبد الهادى علام