يعتبر الاحتفال بالمولد النبوى الشريف من أهم الاحتفالات الدينية فى مصر والعالم العربى ، ولهذا الاحتفال طقوسه المحفورة فى قلب ووجدان كل شخص مسلم ، وكانت الاحتفالات الشعبية فى الماضى تبدأ من بداية شهر ربيع الأول شهر مولد النبى إلى نهايته، وذلك بإقامة مجالس ينشد فيها قصائد مدح الرسول، وتدرس فيها الدروس عن سيرته، وذكر شمائله ويُقدّم فيها الطعام والحلوى، مثل حلاوة المولد ، وتعد عروسة المولد والحصان الحلاوة من أهم طقوس هذا الاحتفال بالنسبة للأطفال . ووثيقة هذا الأسبوع هى مذكرة مرفوعة من محمد السيد شاهين محافظ القاهرة ونائب رئيس لجنة الاحتفالات العامة بمدينة القاهرة الى حضرة صاحب العزة مصطفى رشيد بك بتاريخ 24 فبراير 1943 يقول فيها « بعد التحية ... يسرنى أن أرفع لسيادتكم المذكرة الخاصة بتخصيص مبلغ 150 جنيها مصرى للترفيه عن الفقراء بمناسبة المولد النبوى الشريف بأمل التكرم بالموافقة للتمكن من إجراء اللازم نحو صرفها « أما المذكرة الملحقة بالوثيقة فتقول « بمناسبة قرب مولد النبى الشريف وضرورة الترفيه عن الفقراء والمساكين الذين أصبحوا فى حالة من البؤس تجعلنا نعمل على أن ندفع عنهم المآسى بالإحسان اليهم والأخذ بأيديهم ومعاونتهم برعاية مصالحهم ، ولا شك أن الظروف الحاضرة تجعل اللجنة تنتهز أي مناسبة كريمة لتعمل على تخفيف ويلات هذه الأزمة وظروف حدتها ، ولما كانت الحالة المالية للجنة الاحتفالات العامة بمدينة القاهرة تمكنها من إسداء هذه المعاونة ، إذ إن فى صندوقها بعد تسديد جميع التزاماتها التى دفعتها بمناسبة عيد ميلاد حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم حوالي تسعة آلاف جنيه مصرى . لذلك يقترح حضرة صاحب السعادة محمد السيد شاهين باشا محافظ القاهرة ونائب رئيس اللجنة تخصيص مبلغ 150 جنيها مصريا للترفيه عن الفقراء لتصرف فى هذه المناسبة الكريمة ». ومن هذه الوثيقة نتبين وجود لجنة مخصوصة كل مهمتها تنظيم الاحتفالات بمدينة القاهرة ومن بينها الاحتفال بالمولد النبوى الشريف وعيد ميلاد الملك بالإضافة لتحديد أوجة الصرف فى هذه الاحتفالات ، وهى تضم فى عضويتها عدا من كبار الباشاوات والملاحظ أن المحافظ وهو أعلى سلطة تنفيذية فى المدينة هو النائب وليس الرئيس مما يعطى انطباعاً عن جدية هذه اللجنة ونزاهتها وشفافية العمل فيها ، أما الطريقة التى سيتم بها توزيع المبلغ للترفيه عن الفقراء فلم توضحه الوثيقة وإن كان يعتقد أنه ستتم إقامة الولائم لإطعام الناس وتوزيع الحلوى . ومن المعروف أن الفاطميين هم أوّل من احتفل بذكرى المولد النبوي الشريف بعمل الحلوى وتوزيعها وتوزيع الصدقات، أما الاحتفال الرسمى فكان يتمثل في موكب قاضى القضاة حيث تُحمل صوانى الحلوى، ويتجه الجميع إلى الجامع الأزهر، ثم إلى قصر الخليفة حيث تلقى الخطب، ثم يُدعى للخليفة، أما في عهد السلطان صلاح الدين فكان يحتفل به احتفالاً كبيرًا، وكانت تصرف فيها الأموال الكثيرة، والخيرات الكبيرة، حتى بلغت ثلاثمائة ألف دينار،فإذا كان قبل المولد بيومين أخرج من الإبل والبقر والغنم شيئا كثيرًا وزفّها بالطبول والأناشيد، حتى يأتي بها إلى الميدان، ويشرعون في ذبحها، ويطبخونها. فإذا كانت صبيحة يوم المولد، يجتمع الناس والأعيان والرؤساء، ويُنصب كرسي للوعظ، ويجتمع الجنود ويعرضون في ذلك النهار. بعد ذلك تقام موائد الطعام، وتكون موائد عامة، فيها من الطعام والخبز شيء كثير. ويقول دكتور سمير عمر ابراهيم فى كتابه « الحياة الاجتماعية فى مدينة القاهرة فى النصف الأول من القرن التاسع عشر « إن الاحتفال كان يبدأ من يوم 2 الى 12 ربيع الأول فى ميدان الازبكية حيث تضرب خيام كبيرة يجتمع فيها الدراويش للذكر طوال الاحتفال وتعلق فيها القناديل ويجتمع فيها خلق كثير للاستماع للشعراء ومشاهدة المشعوذين والهزليين وتنصب فى بعض الجوانب من الشوارع المجاورة أراجيح وألعاب ودكاكين لبيع الحلويات والمشروبات ومقاه تظل مفتوحة طوال الليل وتمر بالشوارع جماعات من الدراويش وهى تحمل البيارق والمصابيح وتعقد حلقات الذكر وخاصة فى الليلتين الأخيرتين ، وقد حرص بونابرت على إقامة الاحتفال فسأل الشيخ البكرى عن السبب فى عدم إقامته فاعتذر بتعطيل الأمور وتوقف الأحوال فأعطاه 300 ريال فرنسى وأمر بتعليق تعاليق وأحبال وقناديل واجتمع الفرنساوية يوم المولد وضربوا الطبول وأرسلوا الطبلخانة الكبيرة الى بيت الشيخ البكرى وعملوا حراقة فى الليل وصواريخ تصعد فى الهواء .. واستمر الاحتفال بالمولد يتقلص حتى لم يتبق منه الا عروسة المولد والحصان الحلاوة .. والله .. الله على احتفالات زمان .