"محمداً عليه السلام هو الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحاً مطلقاً على المستوى الديني والدنيوي"، هكذا بدأ "مايكل هارت"، فيزيائي فلكي أمريكي، كتابه "الخالدون المائة"، الذي تناول فيه أكثر 100 شخصية أثرت في العالم، كان أولهم محمد صلى الله عليه وسلم. وتُعد ذكرى مولد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، والتي اعتبرها البعض "بدعة" غير مستحبة، وآخرون يرونها فرحة يجب إحياء ذكراها والاحتفال بها، عطلة رسمية في عدة دول منها سوريا ومصر وليبيا والأردن وتونس والإرمارات، ولا تعترف دولاً أخرى كالسعودية بالمولد النبوي معتبراه "بدعة".
وتُقام في ذكرى "المولد" النبوي، المجالس التي يُنشد فيها بقصائد مدح النبي، ودروس من سيرته ، ويُقدم فيها الحلوى ك"حلاوة المولد".
موعد الميلاد
اختلف العلماء حول موعد مولد الرسول، ويتفق عدد كبير منهم على أنه يوم 12 ربيع الأول ، فيما ذكر آخرون أنه في 8 ربيع الأول.
أول من احتفل به
ويعود الاحتفال بهذه المناسبة لأكثر من ألف عام، عقب دخول الخليفة المعز لدين لله الفاطمى لمصر، وكان الاحتفال بالمولد من أهم الاحتفالات التى ازدهرت فى العصر الفاطمى، وتُعد مصر من أوائل الدول التى احتفلت بها حيث ظهرت سنة 973 هجرية ، وكان الفاطميون يستخدمون الاعياد والمناسبات والاحتفالات بالمناسبات العامة للتأثير فى نفوس المصريين وجذبهم الى المذهب الشيعى الإسماعيلى ، وكانوا يعتبرون الاحتفال بالمولد النبوى مناسبة للترفيه عن الطبقات الشعبية ، وبذلك يمكن استمالتهم.
وسبق للدولة الفاطمية الاحتفال بالمولد النبوى قبل وصول الفاطميين لمصر عندما كانوا يحكمون المغرب، وعندما وصلوا لمصر بدأوا ينظمون هذه الاحتفالات التى كانت تسبق المولد النبوى وتليه، وتُقام السرادقات والولائم للبسطاء وعامة الناس وفى يوم المولد يخرج موكب الخليفة.
وفي عهد السلطان صلاح الدين الأيوبي، كان حاكم "إربل" بشمال العراق، ينفق ثلاثمائة ألف دينار كل عام، وكان يصل إليه من البلاد القريبة عدداً من الفقهاء والصوفية والشعراء، يستمرون في الاحتفال من شهر محرم حتى أوائل ربيع الأول .
مظاهر الإحتفال
في عهد الدولة الأيوبية، كانوا يخرجون الإبل والبقر والغنم قبل المولد بيومين، ويزفوها بالطبول والأناشيد إلى الميدان، ويشرعون في ذبحها وطبخها، فإذا جاءت صبيحة المولد، إجتمع الناس والأعيان والرؤساء، وتكون الموائد للعامة.
وفي عهد الخلافة العثمانية، كان السلطان يركب جواده من خيرة الجواد بسرج من الذهب الخالص، ويسير بين صفين من الجنود وخلفهم كبراء وعظماء الدولة بملابسهم الرسمية التشريفية وعلى صدورهم الأوسمة، وخلفهم الناس، ثم يدخلون المسجد ويبدأون بالاحتفال بقراءة القرآن ثم بقراءة قصة النبي محمد، وينظم بعض المشايخ حلقات للذكر فينشدون وترتفع الأصوات بالصلاة على النبي إلى فجر اليوم التالي. وأصبح "المولد" خلال العقود الأخيرة، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بانتشار "المراجيح" وألعاب الأطفال، وأن يستقل المواطنون في القرى سيارات نصف نقل، ويتجولون بها في شوارع القرية، وسط الذكر والأناشيد والموسيقى.
عروسة المولد
ظهرت في مصر ما يسمى "حلاوة المولد"، وهي نوع من الحلوى أدخلها الفاطميين لتكون حلوى خاصة بالمناسبة ولها عدة أنواع وأشكال.
ويُقال أن "عروسة المولد" ظهرت خلال عهد الحاكم بأمر الله الذى كان يحب إحدى زوجاته فأمر بخروجها معه فى يوم المولد النبوى، فظهرت فى الموكب بردأئها الابيض وعلى رأسها تاج من الياسمين، فقام صناع الحلوى برسم الاميرة فى قالب الحلوى، بينما قام آخرون برسم الحاكم بأمر الله وهو يمتطى حصانه وصنعوه من الحلو.
وترتبط عروسة المولد بفلسفة خاصة عند المصريين الذين كانوا يتصدقون باعطاء الحلوى للمساكين فى ذكرى المولد النبوى ويقال ان الحكام الفاطميين كانوا يشجعون الشباب على عقد قرانهم فى يوم المولد النبوى، ولذلك ابدع صناع الحلوى فى تشكيل عرائس المولد وتغطيتها بأزياء تعكس روح هذا العصر والتراث
يشير المؤرخون الى أن الحاكم بأمر الله قرر منع اقامة الزينات واحتفالات الزواج الا فى المولد النبوى، لذلك حرص كثير من الشباب وعامة الناس على اتمام زواجهم فى ايام المولد، وفى تلك الفترة ظهرت العروسة المصنوعة من الحلوى لأنها كانت تعد بمثابة اعلان عن قرب موسم الزواج، وكان أهل العروسين يبدعون فى صناعة الحلوى فى أشكال جديدة للعروسة تيمنا بالزفاف القريب، وكانت عروسة المولد هى هدية أهل العريس لعروسه . وفى خلال السنوات القليلة الحالية، شهدت صناعة هذه العرائس تطورا وتحديثا كبيرا واصبحت تصنع فى دول مثل الصين من البلاستيك والاوراق .
المؤيدون والمعارضون
أيّد عدد كبير من أئمة وعلماء السنة، الاحتفال بالمولد النبوي الشريف كالسيوطي وإبن الجوزي النابلسي والشعراوي والقرضاوي ، فيما اختلف آخرون ممن اعتبروه بدعة غير مستحبة كإبن تيمية والشاطبي والفكهاني والألباني، وألّف كثيرون كتباً مخصصة عن المولد كإبن كثير وإبن الجوزي.