تزايدت اعداد المنتحرين فى مصر فى الفترة الأخيرة حتى وصلت إلى 15 حالة انتحار فى شهر سبتمبر الماضى وكذلك انتحر 15 آخرين فى شهر نوفمبر الفائت و7 حالات فى ديسمبرالحالى ونحن لا نزال فى منتصفه ! كارثة بكل المقاييس.. فبجوار هذه الحالات التى وصلت للإعلام يوجد بالتأكيد غيرها لم تصل إليه.. بل وحالات أخرى أخفى ذويها حقيقة انتحارها خوفا من العار.. وحالات حاولت وفشلت ولا تزال تفكر فى الإعادة.. وحالات أكثر وأكثر تراودها الفكرة ولم تواتيها الشجاعة بعد لتنفيذها !! .. ومهما قالوا إنها ليست ظاهرة أو إن نسبة المنتحرين زادت لزيادة أعدادنا ..أو إن فى العالم 800 ألف منتحر سنويا . هذا الكلام فيه هروب من الحقائق وتضليل للواقع .. فهذه الأرقام التى نعيشها تتحدث عن كارثة يقينية تصرخ فينا.. وليس مجرد ظاهرة .. فلم يَِزد تعدادنا فجأة ولم يكن الانتحار من اختيارات المصريين أبدا من بين دول العالم . فلم نكن طوال عمرنا نسمع عن منتحر إلا كل بضع سنوات وتمثل صدمة كبيرة للمجتمع .فلقد أخذت أعداد المنتحرين فى التزايد المطرد هذا العام حتى أصبح لا يخلو شهر من حالتين أو ثلاثة على الأقل تصلنا عن طريق الإعلام وما خفىَّ كان أعظم !.. حتى وصلنا إلى هذه الأعداد المفزعة !والمصيبة الأكبر إن 90 % من هؤلاء المنتحرين فى سن الشباب الفاعل بين 15 و35 سنة !!! هذه الحالات تنم عن خلل شديد فى كيان المجتمع ككل .. فحول كل منتحر أسرة كبيرة مفككة وليس فقط أسرته الصغيرة .. مع اعتذارى الشديد للأهالى المكلومين فمصابكم يؤلمنا أيضا ولا نبرئ أنفسنا .. فالأقارب والجيران والأصدقاء والرؤساء والزملاء والمعلمين كل أولئك كانوا عنه مسئولا .. أين التكافل وأين التواد .. أين التراحم وأين التواصى بالصبر والتواصى بالحق . أين كل هذا أيها المسلمون والمسيحيون المؤمنون والمصلون وخاتمى القرآن المرة تلو المرة.. أين أخلاق الإسلام والإيمان بالأديان وروحها ؟!! ..أم نكتفى بإطلاق اللحى وإلتحاف الإيشاربات وتسمية الأبناء بمعاذ وحذيفة ومحمد وعائشة وصليب ؟! هؤلاء البؤساء اليائسين لم ينتحروا فجأة فقد مروا بكثير من الآهات المكلومة والأعراض الواضحة والكلمات المشيرة إلى ما ينتوونه بلا مجيب ولامعين ولا أنيس ! فالمنتحر غالبا شخص حساس .. شعوره بالمسئولية كبير وإن لم يعتادها مبكرا.. افتقرت روحه للمودة والحنان والمعين فمرضت كما يمرض الجسد من الافتقار للغذاء.. ولكنه لم يفهم الحكمة من الحياة ومن حياته هو شخصيا! الاكتئاب عرض نفسى يمر بنا جميعا قليل من الوقت ولظرف مباشره فتظهر أعراضه كما يصفها أطباء النفس .. بكسل.. حزن شديد .. إحباط عام .. يأس قلق.. شعور بالعجز.. فقدان للطاقة.. تبلد عام..انتقاص من قيمة النفس..ضعف المعنويات..عدم الاهتمام بالأنشطة اليومية.. هذه كلها اجراس منبهة للمكتئب ولمن حوله أن خطرا قادما .. فإذا لم تفلح كل هذه الأجراس فى تنبيهه لعدم الأستسلام وللبحث عن مخرج لما يعانى..ولم يجد من يمد له يد العون .. تزيد مدتها وحدتها وتكون بمثابة إشارات تحذيرية ومقدمات لأعراض الاكتئاب المرضى السابق لمعظم حالات الانتحار حيث تتطور الأعراض كما يصفها الأطباء إلى الانطواء والأرق والإرهاق المزمن وصعوبة التركيز وفقدان الذاكرة ويتحول الاكتئاب لمعاناة بدنية كفقدان الشهية والوزن والإصابة بالإمساك والصداع وأيضا أعراض أخلاقية كالعصبية والهياج وسوء معاملة الآخرين وتعمد إهانتهم ويتحول النقد الذاتى إلى كره للنفس وللحياة نفسها .. ومن ثم تتولد فكرة الانتحار ! والانتحار هو احد رسائل الاحتجاج والرفض الأكثر إيلاما لكل من تخلى عن سماع أنين المنتحر وآلامه بدءا من الأسرة الصغيرة وصولا إلى المجتمع ككل .. ويتضح ذلك من وسائل الانتحار العنيفة والقاسية التى استخدمها معظم المنتحرين .. بل والاستعراضية الملفته فى أحيان أخرى .. بما يمثل صرخة احتجاج ورفض فى وجه المجتمع ووجه كل من تخلى عنه . فيتصدرها الشنق ..وهو الأبشع إيلاما سواء للمنتحر نفسه أو للمحيطين به . كأنه يريد أن يعاقب نفسه لأنها لم تستطيع ان تجد مخرجا لمشكلاتها وبؤسها .. كما يريد أن يعاقب الذين لم يسمعوا أنينه ولم يحتضنوا روحه ويمدوا له يد العون فى حياته فيفزعهم ويصفع قلوبهم بمنظر وجهه المخنوق شنقا وجسده المتدلى .. ينتظر من "يحتضنه" و"يزيل عنه مصدر ألامه" ليسجيه و"يريحه ".. ولو بعد فراق روحه !! . تبرز الصرخة المدوية والصفعة للمجتمع فى تعمد الشنق تدليا من الشرفات والقفز منها ليرى الجميع ما فعلوه به من تقصير فى حقه . وكانت أعلاها صوتا .. من السائق الذى بذل جهدا كبيرا ليصعد عاليا أمتار عديدة إلى أعلى لوحة الإعلانات فى الطريق الصحراوى ليشنق نفسه عليها .. وليتدلى جسمه صادما القاصى والدانى معلنا احتجاجه على ظلم الجميع ! شبابنا الغالى .. وثروتنا الحقيقية .. للمشكلات والأحزان مخارج أخرى عديدة غير الإعدام شنقا.. فلنحاول التعرف عليها فى المقال القادم إن شاء الله . [email protected] لمزيد من مقالات مايسة عبد الرحمن