بعد أن كانت حوادث الانتحار حدثا مهما يجعل بائع الجرائد ينادي بأعلي صوته «انتحار شاب»، أصبحت الآن خبرا يوميا، فهل يتحول الانتحار لوسيلة يومية للاحتجاج خاصة مع تدني الوضع الاقتصادي وسوء أحوال المعيشة وفقدان الأمل والكرامة التي تجعل الإنسان يفضل الموت علي الحياة ويرغب أن يذهب للمجهول أفضل من واقع معلوم يتميز بالمعاناة.. وقد رصدت تقارير أن المصريين قد يتم تصنيفهم أنهم الأكثر في أعداد الانتحار في العالم العربي «ومن زمان» وليس من الآن.. نسترجع الذاكرة لأعوام مضت جاءت فيها نسب المنتحرين عالية، فطبقا لبيان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2009 تبين أن مصر شهدت محاولات انتحار بلغت 104 آلاف حالة تمكن 5 آلاف منهم من التخلص من حياتهم وتؤكد الإحصاءات الصادرة عن المركز أن الانتحار أصبح «ظاهرة خطيرة» تتصاعد يوما بعد يوم. ومن إحصائيات أخري تابعت مقارنة بين أعوام 2005، 2006، 2007، 2008 وجدنا أن عدد المنتحرين زاد في كل عام من الأعوام بنسبة ألف محاولة انتحار وأكثر مما يؤكد خطورة الموقف وأن محاولات الانتحار في مصر منذ فترة طويلة وقبل أي دولة أخري وهو ما يحدث بمسمع ومرأي من حكومتنا «المبجلة» دون أن تحرك ساكنا، ويزيد عدد المنتحرين صغار السن أقل من 40 عاما. ولا يمكن أن ننسي عبدالحميد شتا خريج كلية الاقتصاد والعلوم السياسية المتفوق والذي رفضت وزارة الخارجية تعيينه في السلك الدبلوماسي «لعدم لياقته اجتماعيا» علي رغم اجتيازه اختبارات القبول ونجاحه بتفوق علي أقرانه المتقدمين للوظيفة. لم يجد عبدالحميد طريقا إلا التخلص من الحياة رفضا واحتجاجا علي القهر، كذلك هذا الشاب الذي رفضت زوجته العودة إليه بعد أن فصل من عمله فأخذ ابنته في حضنه وقفز من الطابق السادس، والشاب صاحب الحادث الشهير منذ شهور قليلة والذي فضل أن تكون صرخته للحكومة والمجتمع فوق كوبري قصر النيل فشنق نفسه ليستيقظ الجميع صباحا علي صورته أعلي الكوبري وهو ميت ليقدم صرخة من قلب الفقر والجوع، إذن القضية تحمل أبعادا كثيرة قد تتشابه مع دول أخري بسبب «الجوع» والبحث عن لقمة عيش في دولة لا تهينه لكنها أبعاد تتعلق بدولة لا تحمي مواطنيها وتجعل الوطن بالنسبة لهم مجرد «إحساس بالشجن». يقول د. محمد مندور أستاذ الطب النفسي إن لحظة الانتحار هي لحظة يأس قد لا تنم عن اضطراب نفسي ولا يشترط أن يكون المنتحر شخصا مكتئبا لأنه في حالة الاكتئاب يصعب علي الشخص الفعل لأنه يقلل الأحماض الأمينية في المخ حتي أن في أقسام الأمراض النفسية ينتبه المراقبون للمريض المكتئب الذي يكون في حالة «التحسن» لأنه يفكر وقتها في الانتحار، إذن يستبعد د. مندور أن يكون المنتحر مريضا نفسيا خاصة في ظل ظروف الحياة الحالية، وفي علم النفس يسمي هذا السلوك «احتجاجا علي الواقع». ويري د. رشاد عبده أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة أنه بالرغم من سوء الأحوال الاقتصادية في مصر فإن حالات محاولات الانتحار التي حدثت الأيام الماضية في مصر لم تكن لها علاقة بهذا وأكد عبده أن نسبة البطالة مرتفعة في مصر كما هي أيضا في أمريكا وفرنسا وألمانيا وأن الانتحار في مصر بسبب هذا منذ فترة طويلة وليس بجديد والإحصاءات الاقتصادية التي ترتبط أحيانا بارتفاع محاولات الانتحار تؤكد ذلك.