داعش ليست بعيدة عنا، إنها هنا متغلغلة فى بنيتنا الثقافية، ومتجذرة فى جسدنا التعليمى بقيمها، ومفاهيمها، ودلالتها.. أهم قيم المحمول الثقافى لتنظيم داعش هو الإقصاء وإنكار الآخر.. وفى رأىى ان العصابيين الفكريين الأخطر الذين لم يبرأ فهما العقل العربى التاريخى هما الغرب والمرأة، وسوف يظل هذان العصابان ممتدين إلى المستقبل البعيد. ولم تفلح دولة الحداثة فى حقبة التحرر الوطنى ان تعالج هذه النقيصة، ولعل الأدب العربى خير مرآة لتغلغل هذين العصابين فى الذهنية العربية. لا يقف التعليم العربى على الحياد من مسألة الصراع الطبقى، فوفقا للمدرسة النقدية تقوم المدرسة بوظيفة كلب الحراسة للدفاع عن مصالح ونفوذ الشرائح والقوى المهيمنة اقتصادياً، وتعمل المدرسة والجامعة على ترسيخ وحماية وإعادة انتاج هذه السيطرة، ولعل تحليل عملية الاتصال التربوى أو البيداجوجى تكشف عن وظيفة المدرسة ونظام التعلم فى حماية وتعزيز نفوذ ومصالح قوى الهيمنة الاجتماعية، ثم تأتى ثانيا السلطة التربوية تعزز هذه السيطرة لأنها تحمى وتمتلك القرار والادارة التنفيذية. كما تأتى آلية السيطرة من خلال عملية التقويم أو الامتحانات. ولعل فرزنا لأنواع التعليم المفتتة للسبيكة الثقافية يؤكد هذا التحليل، فتبقى المدارس الحكومية للفقراء، ويلتحق أبناء الطبقة الوسطى بالمدارس التجريبية والخاصة، فى حين تبقى مدارس اللغات ذات النجوم الخمسة والسبعة، والمدارس الدولية والشهادات الدولية مستوعبة لأبناء الشرائح الأعلى، دون أن يكون هذا الفرز نهائياً وحاسماً. وعلى مستوى التعليم الجامعى فإن الجامعات الحكومية تعانى عوامل التعرية، وتتحول إلى مستودعات لتعليم الشرائح الأضعف إجتماعياً، وأصبح التعليم العالى تدريجياً مستقطعاً بحيث تجتذب الجامعات الخاصة أبناء القادرين والأثرياء، وتبقى قدرة الأولى التنافسية أضعف وخاصة فى ظل تواضع الانفاق الحكومى على التعليم، وليس سراً أن مرتبات العاملين بالجامعات تتأخر نظراً لتراجع وزارة المالية عن التزاماتها السابقة. ويستمر ذلك لمدة ستة أشهر فى العام. تعزز قيم داعش فى التعليم المصرى تجذراً من خلال آليات شرحها كثير من الخبراء من عبر آليات »رأس المال الثقافى« و »العنف الرمزى« و »العادات الثقافية« وغيرها، وهى فى الواقع التعليمى المصرى تتفاعل مع خصوصية البنية التعليمية التى تحتضن نموذجا إرشاديا أو باراديما قائما على ثقافة التلقين والإبداع لا الحوار والإبداع وحل المشكلات، ومن هنا تتحول وظيفة وزير التعليم الى مدير يومى للعملية التربوية، وفى التحليل الدقيق إلى وزير للثانوية العامة التى تمثل أهم أغراض التعليم المصرى المرضية، وحيث تعتمد اللعبة التعليمية على لعبة الكراسى الموسيقية لقلة عدد الجامعات، واذا قررنا أن النسبة العالمية جامعة لكل مليون مواطن نجد أن مصر تحتاج إلى 80 جامعة، وهو إذا تحقق سينهى صراع الثانوية العامة وتنافسه الشرس، والذى يخرج منه أبناء الفقراء الذين لا يواصلون التعليم فى مراحله المبكرة أو يقنعون بالتعليم الفنى الفقير والبائس. إقصاء داعش للآخر والفيسفسائى والمختلف يشبه إقصاء أبناء الفقراء الذين لا صوت لهم ولا يتمتعون إلا بأفقر أنواع التعليم خاصة ان وهم المساواة التعليمية هو الاعتقاد بأن فتح أبواب الدخول إلى المدرسة يحققه، فى حين ان الاستمرار فى التعليم، وتكافؤ الفرص فى المعاملة أثناء المسار الدراسى هو ضمانته الحقيقية. تبدو يد الدولة من خلال وزارة التعليم مغلولة على بسط سيطرتها على التعليم الخاص والأجنبى، ولن ينتهى هذا العجز مادام أبناء ذوى النفوذ والسلطة والحكم هم أباء هؤلاء التلاميذ فى تلك المدارس المميزة، وسوف تبقى إصلاحات الدستور وإنجازاته التعليمية حبراً على ورق مادامت سيطرة الوزارة على شتى أنواع التعليم قاصرة وجزئية، ولن يكون هناك أمل للخروج من هذه المحولة التعليمية إلا بتوحيد أنواع التعليم المصرى فى مدرسة قومية واحدة. قيم داعش موجودة فى مصادرة ملكات المتعلمين وقدراتهم وطاقاتهم الإبداعية والحيوية والاكتفاء بوظيفة الاجترار وملء المستودع. كيف نحول مدارسنا الى مدارس محررة من سيطرة قيم ومفاهيم داعش التى تمارس الهيمنة والاصطفاء والفرز، ولتتحول حظائرنا التعليمية ومراودنا الجامعية إلى حقول نامية، ومؤسسات للحياة والجدارة وكرامة البشر هذا هو التحدى. لمزيد من مقالات د. محسن خضر