بعد أن فتحت "عقيدتي" ملف أوجاع التعليم ¢ في مصر . وشخصت كثيرا من أمراضه وتقدم في هذا العدد روشتة علاج كاملة لهذه الأوجاع لعل هذا يسهم في إيجاد تعليم معافي يسهم في تقدم البلاد وإصلاح حال العباد . من هنا تأتي أهمية هذا الحوار الجرئ مع شيخ التربويين الإسلاميين الدكتور سعيد إسماعيل علي استاذ التربية بجامعة عين شمس ¢ الذي ألف أكثر من مائة كتاب غالبيتها تتناول القضايا التربوية من المنظور الاسلامي وقد سبق أن التقيناه لرصد بعض هذه الأمراض التي أصابت منظومة القيم والأخلاق وجعلت مجتمعاتنا العربية تعاني من الانهيار المستمر * تؤكدون أن الأسرة المصرية والعربية استقالت رغما عنها من وظيفة التربية . فما الذي جعلكم تقولون ذلك ؟ * * من المؤسف أن الواقع التعليمي في الوطن العربي والعالم الاسلامي مؤلم . وفي القلب منه مصر التي تعد قلب العروبة والإسلام النابض وقد لاحظت من خلال رحلتي التربوية الطويلة أن الدور التربوي للأسرة في عالمنا العربي والإسلامي پفي تراجع مستمر وهذا لم يأت من فراغ وإنما هو محصلة كثير من الأخطاء التي تصل الي درجة الخطايا علي مستوي كل الدول التعليم والفقر * لكن البعض قد يقول أن أمراض التعليم الناجمة عن الفقر ونقص الإمكانيات المادية فهل هذا صحيح؟ * * هذا غير صحيح بدليل أن التعليم في فلسطين يعد الأفضل في الوطن العربي رغم الظروف الصعبة التي يعيش فيها الأشقاء في فلسطين نتيجة الاحتلال والظروف الاقتصادية الصعبة ولكن هناك استراتيجية تعليمية سليمة وإرادة حقيقية لدي الشعب الفلسطيني بأن يكون التعليم أحد أسلحته في التحرر أما في الدول الغنية مثل دول الخليج فقد تركت الأسر وظيفتها للخدم والنوادي وأصدقاء السوء والإعلام في حين انشغل الآباء والأمهات بالترفيه وجمع المال واستثماره والبحث عن الوجاهة الاجتماعية والثراء الاقتصادي. واقع مرير * إذا كان هذا هو واقع التعليم في دول الخليج الغنية فماذا عن مصر؟ * * الواقع في مصر مرير حيث نجد الآباء والأمهات قد انشغلوا في العمل ليلا ونهارا لتوفير الاحتياجات الأساسية للأولاد نتيجة الغلاء الفاحش والمتزايد وبالتالي أصبح الحصول علي لقمة العيش هي سيد الموقف مما أثر سلبيا اهتمام الأسرة عن التربية السليمة بكل معانيها والتي يعد التأثير العملي نتيجة تواجد الآباء والأمهات وسط أبنائهم ركنا اساسيا منها وكانت النتيجة انهمپتركوا اولادهم لأطفال الشوارع وأصدقاء السوء بالمدارس والنتيجة واحدة في كل الحالات أن أبناءنا أصبحوا ¢ أيتاما¢ رغم وجودهم وسط آبائهم وأمهاتهم. طلابنا يتامي * معني هذا أنكم تحذرون مما قاله أمير الشعراء احمد شوقي: إن اليتيم هو الذي تلقي له . اُمَّا تخلت أو أبا مشغولا * * بالتأكيد فهذا البيت من الشعر قد جسد القضية تماما بكلمات بليغة ولهذا أصبح أولادنا فريسة لوسائل الإعلام التي شهدت تقدما مذهلا . والغريب أن السنوات الماضية شهدت إغلاقا للقنوات التعليمية التي تسهم الي حد كبير في شرح المناهج بدلا من ترك الأسرة فريسة لمافيا المدرسين الذين يجمعون سنويا المليارات من جيوب شعب فقير. التعليم والاخلاق * التعليم عندنا لا يعلم الأخلاق ولعل هذا ما شهدته مصر من انهيار او اهتزاز منظومة الأخلاق عقب ثورة 25 يناير هل هذا صحيح؟ * * الأخلاق يتم تعليمها في البيت قبل المدرسة . وفاقد الشئ لا يعطيه . واذا انتقلنا الي المدرسة نجدها في غالبية الأحوال مكان للامتحان فقط ولم يعد الأستاذ قدوة ومثل اعلي لطلابه كما كان بل إن المدرس يمد يده للطالب وأسرته في بداية كل شهر فكيف يحترمه ويوقره. بيزنس التعليم * معني هذا أن التعليم تحول الي بيزنس؟ * * يؤسفني القول بانه تم توظيف هذا البيزنس الذي أصاب التعليم في هدم القيم التربوية والأخلاقية وبدأ التعليم يفقد هويته وتأثيره في ظل مناهج غير مشوقة تعتمد علي الحفظ قبل الفهم . وهذا ما جعل الطالب لا يحب ما يدرس فكانت النتيجة ان يذاكر لينجح فقط وبمجرد تحقيق المجموع كأن شيئا لم يكن .ومن مظاهر بيزنس التعليم أيضا المليارات التي تنفق علي طباعة الكتب المدرسية مع أن مسئولي التربية والتعليم يعلمون جيدا أن الطلاب لا ينظرون فيها وانما يعتمدون علي الكتب الخارجية. عبث تربوي * هل معني هذا أن الدور التربوي للمدارس أصبح في خبر كان؟ * * نعم. وأصبح طلابنا ضحية لما يحدث في التعليم والذي لا أجد له وصفا إلا انه هو أصبح نوع من التدمير والعبث والعك التربوي الذي أدي الي تدمير منظومة التربية بشكل ليس له مثيل في العالم الذي يحترم نفسه ويحرص علي تعليم جيد يفرز أجيالا قادرة علي قيادة الأمة. العك التربوي * ما هو الحل لهذا العك التربوي في مدارسنا * * في الدول المتقدمة التي تحترم نفسها نجد توحدا في مراحل التعليم الأولي أو ما يطلق عليها "مرحلة التعليم الأساسي" وذلك بهدف توحد الهوية لدي أبناء الدولة في السنوات الدراسية الاولي التي تتشكل فيها عقلية الطفل وهذا ما يتم تنفيذه بنجاح أما في مصر فنجد مدارس حكومية عامة وخاصة وتجريبية ولغات وأجنبية ودينية وغيرها من التصنيفات المدمرة التي تخلق نوعا من العنصرية التي ترتبط بالتنوع الطائفي والعرقي والاقتصادي وهذا أدي الي تحول التعليم لسلعة ترتبط جودتها لمن يدفع أكثر أما الفقراء فليس لهم إلا التعليم الردئ الذي لا يؤهل خريجيه لسوق العمل. ولهذا لابد أن تتضافر جهود مسئولي التربية والتعليم لمعالجة هذا التنوع أو التعدد في الروافد التعليمية في التعليم الأساسي محافظة علي تجانس الفكري والوجداني بين أبناء الشعب الواحد. التعليم والاقتصاد * معني هذا ان المبدأ الحاكم في التربية والتعليم "علي قد فلوسك تتعلم"؟ * * للأسف هذه حقيقة وشتان بين المدارس التي يدرس بها أبناء الفقراء في القري والكفور والنجوع وبين ما يدرس بها أبناء الأثرياء مع انه من المفترض أن التعليم الجيد حق لكل المواطنين بلا تفرقة وهذا ما تنفذه غالبية الدول التي تنفذ المواطنة بصورتها الصحيحة في التعليم اما تعليمنا فأخشي أن يخرج أجيالا متنافرة ذات هويات مختلفة وثقافات متناقضة وهذا يخلق نوع من الازدواجية والانفصام في شخصيات أبناء المجتمع الواحد فهذا يعتز بلسانه العربي اذا كان تعليمه ديني وكذاك يعتز بلسانه الأجنبي الذي يري من خلاله انه ذو العقلية المستنيرة القادرة علي التعامل مع الغرب المتقدم ومستحدثات العصر. اللغة وعاء الثقافة * من المتفق عليه تربويا أن "اللغة وعاء الثقافة" فما هي خطورة المدارس الأجنبية التي تدرس لغاتها في مرحلة ما قبل المدرسة الابتدائية؟ * * رغم أن لغة القرآن التي هي أكرم لغة بل إنها لغة أهل الجنة وقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ¢ أحبوا العرب لثلاث لأني عربي . والقرآن عربي . وكلام أهل الجنة عربي ¢ الا أن الكارثة أنه من المتفق عليه تربويا علي مستوي العالم أن الطفل يعتز باللغة التي يتلقي بها تعليمه ولهذا نجد من يدرس بالفرنسية سيكون اعتزازه بالثقافة الفرنسية ومن يدرس باللغة الانجليزية سيعتز بالثقافة الانجليزية بل إن من يدرس بالانجليزية باللهجة الأمريكية سيكون انتمائه للثقافة الأمريكية وهكذا سنجد المحصلة النهائية خواجات من أبناء جلدتنا ثقافتهم وهويتهم مختلفة عن عامة الشعب ويحتقرون ثقافتهم ولغتهم القومية لأنهم يشعرون أنهم ينتمون الي مجتمعات أكثر تقدما فهذا نوع من الغزو الثقافي الذي يدمر عقول ابنائنا ولسان حالهم يقول ما قاله الشاعر ابي العلاء المعري: هذا جناه أبي عليَّ وما جنيت علي أحد تعلم اللغات * كيف نحتفظ بهويتنا ونعلم ابنائنا اللغات التي بها يواكبون التطور العلمي في العالم ؟ * * هناك فارق لا يدركه الكثير من المسئولين وأولياء أمور الطلاب علي حد سواء وهذا الفارق بين ¢ تعلم اللغة الأجنبية ¢ و ¢ التعلم باللغة الأجنبية ¢ فالأول لا مشكلة فيه اذا كان بعد مرحلة سنية معينة لا تقل عن العاشرة يكون الطالب قد انطلق لسانه بلغته الأصلية وترسخت في ذهنه أنها لغته الأولي في التفكير والتعليم أما المفهوم الثاني وهو ¢ التعلم باللغة الاجنبية ¢ فهذا مكمن الخطورة علي الهوية والثقافة الأصلية حيث انه - للأسف يتم التعليم بتلك اللغات من سن الرابعة أو أقل في بعض الأحيان وهنا يتم اغتيال اللغة العربية مع سبق الإصرار والترصدپ واحتلت اللغة الأجنبية مكانها واحتقرتها في عقر دارها بعد أن باعها أولادها من أولياء الأمور والطلاب بثمن بخس وأحيانا بلا ثمن أصلا پ. ولهذا يجب تصحيح المسار ونعلم اولانا اللغة الاجنبية في السن المناسبة بعد أن يجيدوا اللعة العربية حتي لا يصبحوا اسري لما تعلموه من لغات اجنبية في سن مبكرة.