كيف تتم عمليات تهريب الأسلحة من قطاع غزة الفلسطينى الى سيناء؟.. وما الطرق التى يسلكها المهربون وكيف يتخفون من قوات الأمن؟.. وما حقيقة وجود الجماعات التكفيرية بالمنطقة؟ وما نوع المساعدات التى يشاع أن بعض البدو يقدمونها لتسهيل عمليات التسلل الى الحدود المصرية؟.. والأهم هو هل يستطيع أى أحد أن يصل الى تلك المناطق المحظورة والمحاصرة بعيدا عن أعين الأمن؟! أخذنا كل هذه الأسئلة وغيرها الكثير وانطلقنا فى مغامرة صحفية داخل الدروب والمدقات الجبلية الوعرة فى شمال سيناء التى يتخذ منها العناصر التكفيرية والخارجون عن القانون ملاذا آمنا وأرضا خصبة لعملياتهم الغادرة ضد أبناء مصر من الجيش. لم نهدف من القيام بهذه المغامرة المحفوفة بالمخاطر الى عمل صحفى متميز أو مجرد "فرقعة إعلامية" نحقق من ورائها نجاحا شخصيا أو مهنيا، ولكن هدفنا الأساسى هو القيام بدورنا كمواطنين فى المقام الأول فى مساعدة قوات الجيش على رصد وتتبع هذه الطرق والوسائل والأساليب التى يستخدمها الإرهابيون فى عملياتهم القذرة وتحركاتهم حتى يتمكن الجيش من تتبعهم واجتثاثهم. كانت المغامرة رغم خطورتها محسوبة.. وقمنا باستخدام أحد العناصر البدوية كدليل للطرق واصطحبنا فى سيارته الخاصة التى تمر من هذه المخاطر كمرور السيف فى الزبد، شاهدنا خلالها أشياء لم نكن لنصدقها لولا رأيناها.. أنفاق فى أحواش البيوت ومسلحون يعتلون أسطح المنازل لحمايتها انتظارا للاشتباك مع قوات الجيش التى تقوم بالتمشيط الجوى بين الحين والآخر، وفى الأرض يقف "الناضورجية" بدراجاتهم البخاية فى حالة استعداد وتأهب لإعطاء الإشارة بأجهزة اللاسلكى "الثريا التى يحملها الجميع هناك. تعليمات "الدليل" البدوى المرافق لنا فى المغامرة لا يمكن مخالفتها، والا فسوف يكون الرد سريعا للغاية، وهو إما توقيفنا واحتجازنا كرهائن أو تصفيتنا فورا.. "يا أساتذة محدش يخرج الكاميرا الا لما أقوله، وياريت محدش يتلفت حواليه علشان متلفتوش النظر.. الناس هنا مبتهزرش".. تلك الكلمات كانت كفيلة بأن نحبس أنفاسنا منذ بداية خروجنا من مدينة العريش حتى وصولنا الى نقطة حدودنا مع رفح ببوابة صلاح الدين للوقوف على آخر التطورات الخاصة بعمليات إزالة البيوت الكائنة على منطقة الشريط العازل التى ينفذها الجيش المصرى للقضاء نهائيا على "صداع الأنفاق" الى الأبد.. بدأت رحلتنا وانتهت بدون المرور على كمين واحد من أكمنة الجيش أو الشرطة واستغرقت نحو 6 ساعات ذهابا وايابا. التسلل إلى الحدود السابعة صباحا كان موعد التحرك من أمام الفندق.. كانت التعليمات واضحة وصريحة، والاتفاق على مبلغ مالى كبير قبل بدء الرحلة.. "توكل على الله يا شيخ ومتشغلش بالك بأى حاجة" كان هذا الرد على الدليل كفيلا بتأخير انطلاقنا لمدة نصف ساعة كاملة أعاد خلالها تعليماته علينا، وطلب منا أن نقوم بإخفاء أوراق إثبات هوياتنا وأن نقول لأى شخص يستوقفنا خلال الرحلة داخل الدروب الجبلية فى المناطق التى يقطن فيها التكفيريون أننا مصورون صحفيون تابعين لقناة الجزيرة القطرية، لضمان حمايتنا وعدم الفتك بنا. طلبنا من "الدليل" أن يشرح لنا كل ما يتعلق بالرحلة، من أسماء القرى والطرق وطبيعة السكان، فقد بدأنا الطريق من العريش مرورا بأحياء "السكاسكة"، و"المحاجر"، و"جرادة"، و"المهدية"، وحى "الرسم" وصولا الى رفح المصرية، وسلكنا خلالها الكثير من المدقات الوعرة وطرق "سدود"، و"صبرة" وشاهدنا طريقا "طويلا" الذى يستخدمه الارهابيون والجماعات الجهادية والتكفيرية فى الوصول الى أكمنة القوات المسلحة، خاصة كمين "الريسة". مناطق التكفيريين "ربنا يستر ونعدى من الشارع ده على خير".. كلمات قليلة كانت كفيلة بحبس أنفاسنا وتسمرنا فى مقاعدنا حتى الانتهاء من عبور الشارع.. "دى فيلا يحيى المنيعى، والمنطقة كلها عبارة عن بؤرة ارهابية.. ياريت الجيش ييجى يخلصنا منه.. احنا عايشين فى رعب بسببه" لم يكمل الرجل حديثه حول المنطقة التى يتحصن بها جماعات التكفير والعناصر الهاربة من حماس وأنصار بيت المقدس حتى شاهدنا فى الطريق سيارة نصف نقل محملة بأجولة يتم تهريبها عبر نفق فى فناء أحد المنازل المجاورة لفيلا المنيعى، فكان السؤال الذى اعتبره الرجل سؤالا ساذجا.. "ينفع نصور؟" فكان رد الرجل: "لو انتوا مش خايفين على نفسكوا فأنا عاوز أرجع لولادى". "بوابات الشر" قال دليلنا قبل انتهاء الوصول الى نهاية الشارع إن ما تبقى من أنفاق يتم استخدامه حاليا بكل قوة فى تهريب ما يمكن تهريبه، وأن الطرق التى سلكناها منذ خروجنا حتى هذه النقطة هى نفس الطرق التى يتسلل منها الهاربون والخارجين عن القانون ويتم من خلالها تهريب كل شئ وأى شئ من وإلى قطاع غزة، وأكد أن الأنفاق كانت تستخدم فى الماضى "فى الخير"، ولكن الأمر اختلف فى العام الذى وصل فيه الإخوان الى الحكم وتحولت الى "بوابات للشر". المنطقة العازلة وصلنا أخيرا الى بوابة صلاح الدين للوقوف على آخر التطورات التى تخص إنشاء المنطقة الحدودية العازلة، حيث انتهت القوات المسلحة من المرحلة الأولى وأزالت جميع المنازل المقامة على الشريط الحدودى على عمق 300 متر، وأكدت مصادر عسكرية إن العمل فى المنطقة يجرى على قدم وساق للانتهاء من هدم وإزالة باقى المنازل. وقال المصدر إن جميع السكان انتهوا من عمليات الإخلاء خلال المهلة المحددة، وأن سلاح المهندسين العسكريين يعمل على تفجير المنازل الواقعة على عمق ال 200 متر المتبقية على طول الحدود مع قطاع غزة بمسافة 13.5 كيلو متر. "العساكر ساعدونا فى نزول العفش وهما عارفين اننا ناس محترمة، لكن حسبنا الله ونعم الوكيل فى الارهايين والخونة اللى تسببوا فى أذيتنا"، وتضيف خلود خميس – من سكان منطقة الإخلاء – ان اسرتها اضطرت لاستأجار شقة سكنية فى مدينة الصفا التى تبعد عن مدارس أبنائها، وأعربت عن أسفها لما تتعرض له مصر وأبناء الجيش من مخططات تدميرية وصفتها بأنها مخططات دولية أكبر من امكانيات المجرمين الذين يتخذون من الحدود ملاذا آمنا لهم.."قلوبنا بتتحرق أكتر من أى حد على العساكر اللى بيموتوا لإننا نعرفهم وبنعتبرهم ولادنا.. وانا لما بنام وباخد ولادى فى حضنى ببقى مطمنة علشان عارفة ان فى جيش قوى بيحمينا". ويتفق عبد الرحمن محمد محمد من سكان المنطقة مع رأى جارته خلود.. "كل البلاوى اللى بتحصل فى سينا مصدرها عناصر أجنبية خارجية، وسكان شارع صلاح الدين ينتمون لعائلات وعواقل كبيرة وعلى مدار التاريخ كنا نقوم بحماية الجيش وإمدادهم بالمعلومات عن الارهابيين والان ندفع نحن ثمن الحرب بين الدولة والارهاب". مسجد الصفا سليم ! التقينا الشيخ جمال أحمد الشهاوى إمام مسجد الصفا الذى أذاعت بعض القنوات التحريضية كذبا وافتراء مقطع فيديو يظهر قوات الجيش المصرى وهم يقومون بتفجيره بالديناميت، وقد ظهر جليا أن المسجد لم يمس بأى سوء، وأكد الشيخ جمال أنه يأتى الى المسجد كل يوم ويلتقى الضباط والجنود والأهالى ليعطيهم دروسا دينية، وأكد أن سكان المنطقة متفهمين لهذه الإجراءات ومتضامنون قلبا وقالبا مع أى إجراء يتخذه الجيش للحفاظ على مصر، وشدد على أن القوات الموجودة على الحدود لم تهدم أي مساجد منذ بداية إنشاء المنطقة العازلة، بل تصون حرمتها وتحافظ عليها، وأكد أنه يجوز هدم وإزالة المساجد الموجودة فى المنطقة إذا كان هذا يحقق المنفعة العامة، وبناء مساجد أخرى بدلا من التى يتم هدمها.