لم يكن يعلم الظاهر بيبرس عندما بني مسجده الشهير في مصر انه سيأتي عليه يوم يتحول فيه هذا المسجد إلي موقف لعربات الميكروباص والكارو والباعة الجائلين. ولم يكن يعلم قانباي الرماح أن مسجده الذي بناه بالقلعة وتوجد صورته علي أكبر فئة من العملة المصرية وهي فئة ال200 جنيه، ستمتد إليه أيدي اللصوص لتسرق أروع منبر في مدينة الألف مئذنة الإسلامية. ومسجد الرفاعي أحد أعظم الآثار الإسلامية التي تعكس في فخامتها وروعة بنائها مدي التطور المعماري في الحضارة الإسلامية، أصبح له وضع استثنائي بسبب عدد السرقات والمخالفات التي امتدت لسرقة زخارف القبور الأثرية والتي تعود لعصر الخديو إسماعيل، وتم إغلاق المسجد بعد الخامسة مساء كل يوم أمام الزوار، وإغلاقه أمام المصلين وقت صلاة الفجر، حيث تنفذ أغلب السرقات في هذا التوقيت. وحين تكتشف السرقة سرعان ما يتبادل الجميع الاتهامات، وزارة الآثار تلقي بمسئولِية حماية المسجد عَلَي الأوقاف، وترد الأوقاف علي تلك الاتهامات بالتأكيد علي أن المساجد التاريخية فِي حوزة هيئة الآثار لأنها هي من ترممه، وان الأوقاف مسئولة دعوياً عن المساجد الأثرية وليست حارساً عليها، وخدم المسجد لن يعملوا كحراس علي الأبواب! وهكذا تظل المساجد حائرة بين الأطراف المعنية دون تحرك حتي ينسي الجميع القضية إلي أن نسمع عن سرقة أو تعديات جديدة علي أحد المساجد التاريخية بقاهرة المعز . هذا هو حال آلاف المساجد الأثرية والزوايا المتنوعة التي تزخر بها مصر وتتمتع كلها بأهمية كبيرة من الناحيتين التاريخية والدعوية والمعمارية، وبعضها يستقبل الكثير من السائحين يوميا، فلماذا نهملها ولا نهتم بها؟ ومن المسئول عن ذلك هل وزارة الأوقاف أم هيئة الآثار المصرية؟! مائة عام فأكثر يقول الشيخ جابر طايع، وكيل وزارة الأوقاف بالقاهرة، أن المسئولية مزدوجة بين الآثار والأوقاف، خاصة حال وجود صيانة وترميم للمسجد مع إقامة الشعائر داخله، في حين لو تم تسليم المسجد من الآثار بعد انتهاء أعمال الترميم فتقع مسئوليته علي الأوقاف. وترميم المساجد الأثرية الذي مر علي إقامتها مائة عام تعتبر من الآثار المهمة، وتشرف علي المباني الخاصة بها هيئة الآثار، وقبل عام 2011 كانت هيئة الآثار هي التي تقوم بترميم المباني الأثرية للمساجد وتكلفة الترميم وأي مصاريف ومتعلقات تتبع هيئة الآثار، وبعد عام 2011 تغير الوضع، فكانت هناك مطالبات عن طريق تقارير فنية هندسية تقوم بها هيئة الآثار وتقدمها للأوقاف كمطالبة مالية بالتكلفة، وتتحمل التكلفة وزارة الأوقاف، وحاليا مسجد السلطان أبو العلا يوجد به ترميمات تتحمل تكلفتها وزارة الأوقاف تحت إشراف هيئة الآثار، وهناك مساجد أثرية بالقاهرة القديمة وشارع المعز وحارة اليهود، ومنطقة الجمالية، وهي أحد المناطق المليئة بالمساجد الأثرية، وتكون المخاطبات الخاصة بهذه المساجد عن طريق هيئة الآثار التي تقوم بدورها بمخاطبة مديرية الأوقاف ثم تقوم الأخيرة برفع المطالبات لوزارة الأوقاف، أما ملكية المساجد فهي لوزارة الأوقاف، فإذا مر مائة عام علي إنشاء أي مسجد فيخضع علي الفور لهيئة الآثار، أما عن الشعائر الدينية تكون تحت رعاية وزارة الأوقاف. ويتم الترميم من خلال وضع خطة خمسية أو خطة طويلة الأجل للقيام بعملية الترميم وذلك بالتنسيق بين وزارة الأوقاف وهيئة الآثار، وهناك الكثير من المساجد تم ترميمه والعناية به، والمساجد الأخري بصدد القيام بترميمها حسب الخطة الموضوعة، والمفاجأة الكبري في ذلك أن مسجد عمرو بن العاص لم يوضع في الأثريات حتي الآن. الترميم بجهود ذاتية وفي سياق متصل أكد الشيخ طه زيادة، وكيل وزارة الأوقاف بالشرقية، أن ترميم المساجد الأثرية أحيانا يكون بالجهود الذاتية، ولكن يتم ذلك في إطار التنسيق بين وزارة الأوقاف وهيئة الآثار وبموافقتهما معاً، ولكن الغريب في هذا الأمر أنه ربما يكون المسجد جزءا منه أثري مثل الشباك أو المنبر أو اللافتة المعلقة علي باب المسجد بالخارج، فيصبح جزء منه تابع لهيئة الآثار، وباقي المسجد تابعا لإشراف وزارة الأوقاف، ويذكر أنه رأي مسجداً بمحافظة الإسماعيلية اللافتة المكتوبة علي باب المسجد أثرية وليس بالمسجد شيء آخر آثري، أما عن الترميم بالنسبة للمساجد الأثرية فيتم ذلك بالتنسيق بين الأوقاف والآثار، فنجد أن العملية مشتركة، فالمسجد الأثري له شقان، شق دعوي يتبع وزارة الأوقاف، وشق أثري يتبع الآثار، أما في حالة التجديد فنأتي الآثار لتحصل علي موافقة الأوقاف. 400 ألف جنيه للصيانة من جانبه يقول المهندس محمد علاء، مدير الإدارة الهندسية بأوقاف القاهرة، أن القاهرة مقسمة إلي أربع مناطق ( أ. ب . ج . د ) وتبدأ من السلام والعباسية إلي وسط البلد، ثم إلي المعادي، ثم إلي حلوان، وقمنا بترميم 16 مسجدا العام الماضي، ودائما دورات المياه هي التي تحتاج إلي الترميم والصيانة، ومعظم الترميمات بالمساجد هي دهانات، والعام الماضي كان الحد الأقصي للصيانة 150 ألف جنيه، وعام 2014 – 2015 المتاح هو 200 ألف جنيه لكل مسجد وهو الحد الأقصي المسموح به للصيانة، بخلاف (الإشهار المحلي وهو هدم وإعادة بناء دورات مياه، 400 ألف جنيه للمسجد الواحد)، وهناك أربع مناطق في العام المالي الجديد 2014 -2015 موضوعة في خطة للصيانة سيتم العمل بها بعد عيد الأضحي مباشرة، عبارة عن 16 مسجدا بمناطق السلام ومصر الجديدة(أ)، والعباسية ووسط البلد منطقة ب، ومن السيدة زينب إلي المعادي إلي حلوان منطقة ج و د. وأوضح المهندس مرسي البحراوي، رئيس الإدارة المركزية للشئون الهندسية بوزارة الأوقاف، ان الوزارة يتبعها 110 آلاف مسجد علي مستوي الجمهورية، ويوجد لدينا مسجد زغلول برشيد، (أثري) بمساحة كبيرة، وتم صرف 5 ملايين جنيه أنفقتها الوزارة علي ترميمه، وهناك ستة مساجد في فوة بكفر الشيخ يجرى العمل علي ترميمها وتعطل العمل بها بسبب نقص الاعتمادات المالية. نقص الاعتمادات ويؤكد سمارات حافظ، رئيس الإدارة المركزية للآثار الإسلامية، أن المادة 30 من قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 83 تلزم هيئة الأوقاف بترميم وصيانة المباني الأثرية المسجلة والتابعة لها، وهي مساجد تكايا ووكالات، وحدث أكثر من اجتماع تنسيقي بين الأوقاف والآثار وبدأ الترميم الفعلي لعدد من المساجد بالقاهرة والمحافظات، ثم توقف العمل بسبب نقص الاعتمادات والمخصصات المالية ، وحين بادرت الآثار بتخصيص ميزانية لاستكمال الترميم تدخلت النيابة الإدارية وأوصت بعدم صرف أي مبالغ علي ترميم المساجد طبقا للمادة 30 من قانون حماية الآثار والتي نصت علي أن هيئة الأوقاف وحدها هي التي تتحمل التكلفة. وفي مرحلة لاحقة أرسلت هيئة الأوقاف شيكات بجزء من المبالغ المطلوبة ، وتم توجيه هذه المبالغ من جهة وزارة الآثار لتسديد مديونيات شركات المقاولات التي تقوم بأعمال الترميم حاليا، في عدد من المناطق مثل مساجد فوة وزغلول برشيد ومسجد ميلزه ببولاق، ويجرى التنسيق بيننا وبين الأوقاف بإرسال مقايسات مشاريع جديدة لترميم بعض المساجد طبقا لأولويات وحالة الأثر، من ناحية خطورة دائمة أو متوسطة، وحذر سمارات حافظ من نقص الاعتمادات المالية مؤكدا أن هناك مساجد في غاية الحاجة إلي الترميم الآن منها مسجد محمد علي بالقلعة، وأحمد بن طولون والسلطان حسن والرفاعي، فهي تحتاج إلي ترميم شامل.