حين يؤرخ لعلم الاجتماع فى مصر، فإن اسم »حسن الساعاتى« (03 سبتمبر 6191 03 سبتمبر 7991) يفرض نفسه، كأحد العلماء الأوائل الذين كان لهم فضل السبق والريادة، فى تطوير علم الاجتماع فى مصر، وإخراجه من النطاق التقليدى النظرى، إلى دراسةالمجتمعات الإنسانية بوجه عام.. وكان بذلك أول من قام ببحث ميدانى يجرى على أرض مصر، وعلى مواطنين مصريين فى أثناء إعداده لرسالة الدكتوراه التى حصل عليها من جامعة لندن 6491، وموضوعها جناح الأحداث، وأطفال الشوارع فى مصر. وفى سنة 4591/5591، وجه اهتمامه إلى ميدانى الصناعة والعمال، والعمران، فقام ببحثه الميدانى فيهما فى مدينة الإسكندرية، تحت عنوان »التصنيع والعمران«: بحث ميدانى للإسكندرية وعمالها، وأعيد طبعه مرات ثلاث.. وفى سنة 6591، بدأت المرحلة الثانية من نشاطه العلمى، واستمرت أربع عشرة سنة، أجرى فيها مسحين اجتماعيين مهمين، أحدهما لقسم باب الشعرية 0691، والآخر فى الباطنية الخطير لشهرته فى تجارة المخدرات 6691. ومن أهم البحوث التى أشرف عليها فى المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية فى هذه المرحلة، بحث البغاء فى مدينة القاهرة، ثم المسح الاجتماعى لمنطقة أسوان، وكان »د. سيد عويس« مساعدا له فيه، وكان يتناول حياة 571 ألف مواطن يعيشون فى قطعة غالية من بلادنا، تمثل أول نقطة انطلاق إلى مستقبل عملاق، ثم بحث تنمية المجتمع النوبى الجديد«، وكان »د. أحمد أبوزيد« مساعدا له فيه، ثم بحث تنمية المجتمع الريفى، المعروف بمسح القرى الست، وكان »د. عاطف غيث« مساعدا له فيه. أما المرحلة الثالثة من إنتاجه العلمى، فقد بدأت سنة 0791، واستغرقت نحو سبع عشرة سنة، وتمتاز بتفجير ثلاث قضايا جديدة بالغة الأهمية، وهى قضية تحقيق الهوية، وقضية دراسة التراث الاجتماعى العربى بوعى جديد وحديث، وقضية النهاية الاجتماعية العربية. ويرى »الساعاتى« أن تبعية المفكرين والدارسين الاجتماعيين المصريين أو أغلبهم للفكر الاجتماعى الغربى، وكذلك التزامهم بالمناهج والمفاهيم الغربية، خاصة الأمريكية، قد أدى إلى اغتراب علماء مصريين عن واقعهم الذى يفترض أنه شاغلهم الشاغل والأساسى، وكانت نتيجة هذه التبعية القضاء على فرصة تقديم إسهام نظرى، ومنهجى أصيل لعلم الاجتماع المصرى، يتيح له فرصة الإسهام فى التراث العالمى. إنه فقط من خلال القيم السائدة فى المجتمع المصرى، والمجتمعات العربية الأخرى، نستطيع أن نطبق من خلال البحث العلمى الواقع العلمى لهذه المجتمعات المتفردة بقيمها، وأوضاعها، وتاريخها، وتراثها، ومن خلال ما توحى به نتائج البحوث المختلفة من تنظيرات، يمكن التوصل إلى إسهام نظرى ومنهجى أصيل فى الفكر الاجتماعى العالمى. وقد أدخل »الساعاتى«، فى عطاء آخر له، مادة »دراسة المجتمع المصرى«، فى خطة الدراسة الثانوية (4591)، تنفيذا لاقتراح كان قد قدمه إلى وزير المعارف (التعليم الآن)، وكان الهدف منه، دراسة الجماعات الريفية والحضرية التى يتكون منها المجتمع المصرى، بالطرائق المسمية، والإحصائية، والرصدية (أى الملاحظة والتسجيل)، لذلك عين مقررا للجنة وضع مناهج المادة الجديدة. وقد ألف فى هذه المادة كتابا صغير الحجم بالغ الأهمية، عنوانه »دراسة المجتمع منهاج وطريقة«، ثم كتابا آخر، يحمل الاتجاه نفسه، بعنوان »دراسة المجتمع نظريا وعمليا (فى سنتى 4591 5591)، وكان هذا هو عطاءه فى علم الاجتماع ودراسة الجماعة لطلاب المرحلة الثانوية، وقد لاقى كتاباه، ذيوعا ونجاحا من الطلبة، والأساتذة على السواء، وله كتاب فريد غير مسبوق فى المكتبة العربية، فى تصميم البحوث الاجتماعية ومناهجها.. وطرائفها، وكتابتها، صدر فى 2891، وأعيد طبعه منقحا وفريدا سنة 2991. وبعد اشتغاله بعلم الاجتماع اقترب من نصف قرن، يرى »الأستاذ الدكتور حسن الساعاتى« أن أزمة علم الاجتماع فى مصر، هى افتقار كثير من مظاهره إلى الكيف الذى يجعل فعلياته أعمق أثرا، والسبيل إلى الخروج من الأزمة، وتجاوزها، يكون بالعدول عن سياسة الكم إلى سياسة الكيف، وما تتطلبه من جدية، وأمانة، ومثابرة، وسعة اطلاع، وطموح، ووعى بالأخلاق الحسنة المساندة فى الميادين العلمية، أو ما يطلق عليه أخلاقيات البحث العلمى، وذلك مرحلة الطلب، والتدريب ، ومرحلة البحث، والتدريس، والتأليف. و«الدكتور الساعاتى« من طراز نادر من أساتذة الجامعة، إنه يؤمن بأن مهام أستاذ الجامعة لا تنحصر داخل قاعات الدرس الأكاديمى، بل لابد أن يكون له أثره، ودوره فى المجتمع.. لقد أدرك بوضوح، أن المثقف الحقيقى، هو من يضيف إلى تخصصه الدقيق، المعرفة الإنسانية الشاملة، بالجوانب العلمية والعملية.. لقد آمن أن من واجبه نحو المجتمع، الإسهام فى تقدمه ورقيه، كما استطاع أن ينأى بنفسه عن التبعية الفكرية للعلماء الأجانب، وأمكنه تقديم إسهام نظرى ومنهجى مصرى أصيل للفكر، والبحث الاجتماعى العالمى. لمزيد من مقالات د. سامية الساعاتى