علي الرغم من تأكيد منظمة اليونيسيف ان عدد أطفال الشوارع في مصر, يتراوح بين ست مائة ألف, وثماني مائة ألف, فإن خبراء علم الاجتماع يشيرون إلي أن العدد تجاوز المليون في تزايد مستمر. ويطلق علي أطفال الشوارع تسميات مختلفة, وإن كانت كلها متشابهة تدور حول إحدي صفات الشوارع أو خصائصهم. ففي مصر يطلقون عليهم المشردين, أو الأحداث, وفي الولاياتالمتحدة يسمونهم, صغار بلا مأوي وفي كولومبيا يصفونهم بالمشردين, وفي البرازيل علي سبيل المثال يطلقون عليهم الأطفال المهملين, أو المنبوذين, فهناك من ينظر إلي أطفال الشوارع علي أنهم لاذنب لهم في أوضاعهم الصحية, والنفسية, والاجتماعية, والجغرافية, وأنهم ضحايا لظروف أسرية ومجتمعية خارجة عن إرادتهم. إنهم يرون أن سوء معاملة الأطفال مثل الإهمال, والطرد من المنزل, والضرب والتعذيب, وتشغيل الأطفال, في سن مبكرة, وفي أعمال غير مناسبة لأعمارهم, وفي ظروف عمل غير صحية, وتحتوي علي مخاطر, إلي جانب الاعتداءات الجنسية علي الأطفال, هي التي تؤدي بهم في النهاية إلي القسوة والمروق, وعدم الثقة في الآخرين, والبؤس, والانضمام إلي عصابات تستغلهم بدنيا, ونفسيا, واجتماعيا, واقتصاديا. أما القسم الثاني, الذي ينظر إلي أطفال الشوارع نظرة غير متعاطفة, فيذهب إلي أنهم سبب لمشكلات لايرضي عنها المجتمع, مثل العمل غير الرسمي, والتشرد, والعنف, إلي جانب السرقة أو النهب. ومن المعروف أن المجتمع المصري, يواجه الآن الجيل الثالث من أطفال الشوارع, وهو الجيل الأخطر لأنه يتسم بالعدوانية, وعدم الانتماء للمجتمع. ولاينبغي التعامل مع أطفال الشوارع باعتبارهم في حالة من حالات التعرض للانحراف طبقا للقانون الساري, ولكن بوصفهم في حالة خطورة اجتماعية, ومن ثم ينبغي التواصل معهم في إطار قانون جديد للأمن الاجتماعي, أو من خلال تعديل باب الرعاية الاجتماعية بقانون الطفل, علي أن يكون التعامل معهم من خلال اتخاذ تدابير تربوية بعيدة عن الاجراءات الجنائية. عالم الاجتماع المصري العربي, العالمي ولايمكن الحديث عن أطفال الشوارع في مصر, دون أن نتوقف عند إنجازات حسن الساعاتي الذي تمر بنا هذه الأيام الذكري السادسة عشرة لرحيله03 سبتمبر03/6191 سبتمبر7991, لقد كان الساعاتي رائدا فذا, وسباقا للبحث الاجتماعي الميداني, في وقت كان علم الاجتماع يتجه في توجهاته الأساسية إلي منحي نظري تحليلي غالبا. مستندا إلي كونت, ودوركايم وغيرهما متجاهلا أن النظريات التي طرحها العلماء الغربيون هي نتاج ثقافي, وفكري للظروف التاريخية الغربية وأن الارتكان إليها في ظروف اجتماعية مختلفة وسياق تاريخي مغاير, إنما يؤدي إلي اقتراب علم الاجتماع عن الواقع المصري والعربي. وقد بدأ الساعاتي في قراءة الواقع المصري المعاصر, في أثناء إعداده لرسالة الدكتوراه, التي حصل عليها من جامعة لندن, وذلك حين انصب اهتمامه فيها علي أطفال الشوارع, سنة.4491 كانت أطروحة تستند إلي بحث ميداني, يجري لأول مرة علي أرض مصر, وعلي مواطنين مصريين. وقد انتهي فيها إلي نظريته الشهيرة المتفردة عن مناطق التفريخ ومناطق الجذب. وقد استطاع حسن الساعاتي, بواسطة تحليل البيانات الاحصائية لحالات الخروج علي القانون وفق مناطق ارتكابها, وهي الحالات التي تضمنها بحثه الميداني, والتي بلغت لنيابة الأحداث في كل من القاهرة, والاسكندرية في السنوات الأربع9391 م/2491 أن يميز بين نوعين متمايزين من مناطق الجنوح لأطفال الشوارع, أطلق علي إحداهما اصطلاح مناطق التفريخ, التي يولد الجانحون فيها, وتتم عملية تنشئتهم الاجتماعية وفق الثقافة الفرعية السائدة فيها, وهي الثقافة الشعبية ضعيفة الضوابط الأخلاقية, والرسمية, والقانونية. وتنتشر فيها جنح الضرب, والمروق من سلطة الوالدين وأطلق علي المناطق الأخري اصطلاح مناطق الجذب, وهي المناطق التجارية في مركز الأعمال في كل من المدينتين, وفيما حولهما من مناطق التحول, وتكثر فيها جنح السرقة وعرض ألعاب بهلوانية, ويحظي هذان النوعان من مناطق الجنوح بأعلي نسبة للأحداث الجانحين في كل من القاهرة والاسكندرية. ولقد كان هذا التنظير الجديد الذي اهتدي إليه حسن الساعاتي في أواسط الأربعينيات من هذا القرن, أثره في البحوث الجنائية القائمة علي أساس إيكولوجي أو بيئي. وقد اعترف بذلك ترنس موريس الباحث الاجتماعي الانجليزي الجنائي الشهير الذي أجري بحثه الايكولوجي في لندن وبعض المدن الانجليزية الأخري بعد بحث حسن الساعاتي في القاهرة والإسكندرية بعشر سنوات أطفال الشوارع في معظمهم يهرعون إلي المناطق القريبة الفنية, حيث يقبض عليهم في أكثر الأحيان وقد وسم الساعاتي المناطق المتخلفة بأنها مناطق توالد, بينما يسم المركزين التجاريين في عابدين والموسكي بأنهما منطقتا جذب. وهكذا كان الساعاتي ببحثه الميداني الرائد عن أطفال الشوارع في مصر.. عالما سبق عصره ونموذجا رائعا لأقرانه وتلاميذه شرقا وغربا. لمزيد من مقالات د. سامية الساعاتى