تعتبر مدينة بورسعيد من أهم الواجهات الحضارية للمدن المصرية قاطبة ، لكونها حملت الصفات والسمات الحقيقية لجوهر وصبغة المدن الكوزموبوليتانية العريقة عريباً وعالميا. ولم لا وهي أحدث المدن التي أنشئت وأسست في مصر المعاصرة فصارت هي المدينة الاستثناء.. بورسعيد مدينة لا تعرف الجمود ولا تعترف بالحدود ... تجتذب ولا تُجتذب ... وتخرج علي كل صور المحاصرة والاحتواء بموقعها العبقري الذي يصل بين قارات ثلاث هي إفريقيا وآسيا وأوروبا ، وبظروف نشأتها التي رافقت شق قناة السويس في أشهر واهم وأدق عملية جراحية تجري لسطح الكرة الأرضية ... وكذلك الاستثناء بكونها أول مدينة في مصر تنشأ في العصر الحديث بعيداً عن نهر النيل وخارج نطاق مركزية القاهرة.
تاريخ الإنشاء
نشأت مدينة بورسعيد في 25 إبريل 1859 ، ومع ضرب أول معول في أرض الموقع الذي خطط ليكون مجري لقناة السويس وشاءت الأقدار ومن بعدها الريح أن تقع بورسعيد بين التقاءي خط طول 3218 شرقاً وخط عرض 3116 شمالاً في ذلك الزمن الذي ليس بعيداً ، فمائة وخمسون عاماً في عمر الكوكب الأرضي مدي قريب ، ورغم أن المدينة لم يكن لها ناقة ولا جمل في الحرب العالمية الأولي فإنها قد نالها العديد من الشرور حتي في الغزوة الإنجليزية الاحتلالية سنه 1882. وعاشت في مواجهات سياسية وعسكرية لكونها إحدي البوابات الإستراتيجية لمصر. ربضت المدينة ورقدت علي الدوام ساهرة بناسها مدنيين وعسكريين علي ضفة القناة في انتظار شطحات وغزوات الأعداء ،فجاء عدوان الأعوام 1956م ، 1967، 1973 ، وحتي حرب الاستنزاف لتزداد نفرات المدينة بأهلها العُزل علي بعد عدة أميال. شهدت ضفافها ومياهها الإقليمية المطلة علي البحر المتوسط إغراق المدمرة إغراق إيلات في عمل بطولي عقب هزيمة 1967 ، والذي سبقه تصديها للغزاة من قبل القوات البحرية في موقعة ( رأس العش). لقد نالت مدينة بورسعيد كل التقدير والاحترام والعرفان بالجميل دون مجاملة من قبل كافة زعماء مصر. بداية من الراحل جمال عبد الناصر الذي ردد في إحدي خطبه الشهيرة بميدان ( الشهداء) – عبد المنعم رياض حاليا – في الاحتفال الأول بذكري خروج وانسحاب قوات العدوان الثلاثي : ( وفي بورسعيد كانوا رجالة ، شفت النساء قبل الرجال) علي أن يحتفي مع شعب بورسعيد بعيد النصر 23 ديسمبر من كل عام ليتوافق مع خروج آخر جندي من القوات الإسرائيلية والبريطانية والفرنسية، كما قٌدرت مدينة بورسعيد علي كافة المستويات الدولية حتي من قبل هيئة الأممالمتحدة في عام 1957 ، 1968 للمرة الثانية، حتي رٌفعت عربه الرئيس جمال عبد الناصر من قبل أهل المدينة في عام 1958 وكان المكان التقاء شارعي الثلاثيني ومحمد علي وظل الحال هكذا علي الدوام - هاجر أهل المدينة أو ارتحلوا أو رحلوا قهراً وغصباً – في الحروب الثلاث. خرج أكثر من 200 ألف ساكن من سكان المدينة مرحلين وموزعين علي مدن وقري ونجوع مصر ، ليعود نصفهم مع عودة الكرامة المصرية العربية في حرب السادس من أكتوبر 1973 . ذهب من ذهب ، وراح من راح ، وبقي من بقي دخل المدينة شاهداً علي الصمود والخراب والأطلال في آن واحد؛ إلي أن زارها الرئيس محمد أنو السادات مع عودة افتتاح قناة السويس في يونية 1975 ليصدر أمرًا جمهوريًَا لتصبح مدينة بورسعيد ( منطقة تجارية حرة ، تصنع وتبيع وتشتري وتكسب؛ لإطعام أبناء المهجرين الذين عذبوا وضحوا كثيراً ) كما قال أنور السادات : ( مكافأة لأهل بورسعيد علي ما قدموه وقدمه أبناء شعبها لمصر).
بدايات التحول
عرفت مدينة بورسعيد العديد من معاني الهجرة والترحال . فبعد عودة المهجرين – وإن بقي الكثير في مدن وقري ونجوع أخري لعدم امتلاكهم نقوداً تكفل لهم نقل أثاثهم – أنسوا حتي يومنا هذا هناك! وعن علاقة المدينة- بورسعيد – بالآخر ؛ تعددت تلك الصيغة وتبدلت بل واختلفت وتناقضت ، وجنحت من عصر لعصر ومن عقد لعقد ، بل ومن مرحلة لمرحلة (ناصر – السادات – مبارك)، ذاقت المدينة بأهلها معني آخر للهوان والترحال والهجر والخصام بحدة؛ حيث بدأت الأحقاد من قبل المدن المجاورة (الإسماعيلية) تحديداً وهذا عقب تحول المدينة لمنطقة حرة ( سداح مداح )! تهريب وثراء فاحش وعود العديد من القوي الانتهازية بطرق غير مشروعة لتصطدم المدينة وأهلها بأفكار وثقافات وعلاقات نفعية لم تعهدها المدينة التي أسست علي احترام الآخر وقبوله ومضايفته، فبعد أن كانت ملاذاً للطلياني والقبرصي واليوناني واليهودي – الذي أنشيْ له أول معبدين : ( سوكات شالوم – أنشيْ عام 1882م) ومعبد ( ميشيل أوهيل – أنشيْ في عام 1911 )، والاثنان أقيما بحي الأفرنج الذي كان ملاذاً للجاليات الأجنبية ، كما تضم مدينه بورسعيد أكثر من 30 كنيسة ما بين الأرثوذكسية والكاثوليكية والبروتستانتية موزعة علي كافة أحياء المدينة – وأقدمهم الحي الأفرنجي – أو ( حي الشرق ) الواقع جهة الميناء وشارع فلسطين الملتقي مع شارع أوجينيه الطولي الواصل حتي الميناء وممشي ديليسبس وشارع فلسطين الموازي لمجري قناة السويس ؛ بعد ذلك اعتلت أفكار وسلوكيات المدينة صيغ الاستهلاك في الشكل والملبس والمأكل وحتي التعاملات الكلامية ما بين البشر أهل المدينة الواحدة الذين لم يعودوا كذلك اليوم. بورسعيد التي عرفت المساجد العتيقة العريقة كبيوت للعبادة وجمعت في زخارف مساجدها وكنائسها وحتي بيوتها المبنية علي الطرز الأوروبية المختلفة؛ الإنجليزية والبلجيكية والإيطالية ، صبغة وطلاوة وإبهار الفسيفساء التي تعتلي الواجهات البازلت التي نزعت مع بداية عصر الانفتاح في حملات كارثية منظمة لطمس هوية المدينة، والتي أطلق عليها شاه إيران السابق (بهلوي) وقت مرافقته للرئيس السادات علي أحد اليخوت في جولة تؤكد حيوية ممر القناة في العام الخامس والسبعين (دولة بورسعيد الحرة)! وضحك وقتها أول محافظ للمدينة (السيد سيد سرحان) من أبناء بورسعيد.
الاستقلالية ونتائجها
عرف عن مدينة بورسعيد استقلالها في كل شىء حتي في اللهجة وسمات الناطق بها ( أبو العربي)،جاء الخسران والهجر من قبل المسئولين عن التنمية في مصر. خاصة مع استفحال حركة تهريب البضائع عبر بوابات منافذ الجمرك فى مدينة ( أوجينية ) الإمبراطورة النمساوية التى رافقت ( الخديو إسماعيل ) فى حفل افتتاح القناة الرهيب فى عام 1869 وبحضور مئات بل الآف الشخصيات والزعامات الأروبية الذين جاءوا عبر البحر ورحلوا لتأتى الإمبراطورة بعد ذلك وحيدة وبعد عشر سنوات تحديداً لتجلس تحت قبة ( تاج محل بورسعيد ) قبة قناة السويس ، فهل كانت الإمبراطوروة تبكى ألماً من سوء الرياح التى دائماً تأتى بما لا تشتهي السفن ؟! يقول الراوى البورسعيدى ، قاسم مسعد عليوة فى كتابه « المدينة الاستثناء» .. قراءة مورفولوجية لمدينة بورسعيد : ( كان لموقع بورسعيد دور غير منكور فى بناء سمات الشخصية البورسعيدية . فبعداً عن الظرف التاريخى الذى نشأت المدينة فى كنفه وهو معروف للعالمين كان للناس الذين سكنوها الباع الأكبر فى تكوين هذه الشخصية أبو العربى القديم والحديث والمعاصر؛ أبو العربى هو السيد وسيد هو حافر القناة . وهو أول المتوفين أو القتلى ، ضحية السخرة وقت الحفر ، هكذا يقول التاريخ تاريخ مصر الحديث التاريخ المدون الذى سطره المؤرخون إن أول دفعة من عمال حفر قناة السويس كان يتقدمهم عامل بورسعيدى ولد فى حى العرب كان يعمل فحاماً ينقل الفحم على البيسكلت للخواجات ، توفى مع أول دفعة أصيبت بالكوليرا ولهذا شاع اسم سيد العربى أو أبو العربى خادم القوم العربى . أو أبو العربى هو البمبوطى حامل الكلوب فى عزب النحاس قبل الحرب وهو عازف السمسمية المغنى الصداح الذى خاطب الأجانب وأهل بلده برفقة الصهبجية فى صمتهم مع الشوام وبأكثر من دورغنائى منها: يارايحين لحلب حبى معاكم راح يا محملين العنب تحت العنب تفاح، ومنها كذلك انشودته أبو العربى: متى يا كرام الحى عينى تراكمو واسمع من تلك الديار نداكمو كثير وكثير جداً ردده أبو العربى, للمهجرين بعيداً من أهل بلده ومدينته، بورسعيد التى شهدت ثالث عرض سينمائى بعد القاهرة والأسكندريه وكان ذلك فى العام 1889م وقتما كانت تتجاور عمائر الأفرنج الأوروبيه وعمائر حى العرب المندرة والتراسينات المحجوبه بالمشربيات والأسطح الدائريه التى دائماً ما تحمل البنّية او ( غيه الحمام ) يقول الراوى المدينة كانت إلى عهد قريب مثلثة الابعاد وشوارعها مستقيمة ومتقاطعة وميادينها مشمسة واتصف المعمار فيها بعدة صفات منها انفتاح الوحدات السكنية على الخارج بدلاً من الإطلال على الداخل، الأخذ بنظام البواكى بديلاً عن الشوارع المغطاه اتفاقاً مع طبيعه الساحل، إقامة العمائر القريبة من البحر والبحيرة على اعمدة إتاحه رؤيه البحر والبحيرة للسائر فى شوارع المدينة، واخيراً السماء المفتوحه. لقد كانت بورسعيد هكذا، وكنا نتمنى أن تظل هكذا. المدينة الفريدة فى معمارها وناسها. فقد كان لاى زائر لبورسعيد أن يشاهد البحر الابيض وقناة السويس وبحيرة المنزلة ولكن معاول الهدم من قبل الرأسماليين الجدد و الإنفتاحيين وأنصار العولمة.... كل شىء تبدل فى بورسعيد الآنيه صارت العشش الصفيح والكرتون، فقير وغنى وكلاهما ساهم فى إفساد المدينه، كانت بورسعيد وأرجو أن تظل هكذا ثقافه ناسها هى سبب تميزهم وتفردها بحر مفتوح على شواطىء العالم وسماء بورسعيد فريدة فى لونها وتموجاته خريفها شتائها صيفها. و لكل هذا التقى اكثر من 500 من مثقفى مصر ومدينة بورسعيد على مدى ثلاثة أسابيع بين شهرى سبتمبر وأكتوبر الماضى لحمايه تراث بورسعيد. الذىغنى شعبها وهو يبكِى حسرة وألما بعد العدوان علشان كرامتك يا مصر وعزتك يا زعيم.... بيموتوا كل المصريين....؟!!
حكايا الأساطير .. أم أساطير الحكايا
وبعد أن كثر التقليب فى استحضار ماضى المدينة الغرائبي .. نطقت مدينة بورسعيد بالسرد التى يخصها فى التاريخ والزمان والمكان وسيرة البشر ، حتى الشوارع والحارات والميادين والأمكنه العتيقة أفاضت بما حدث من مجريات الأمور فوق تراب هذا البلد .. ففى سيرة هذه المدينة تعددت الأساطير . أو الحكايا لدرجة ،أن هناك إختلاطا أو قل إمتزاجا صنع انسجاماً أو هارمونى تجلى بحقائق أكدها التاريخ وثبتتها المدونات والعديد من مقالات كبار المؤرخين والكتاب وكذلك الفنانون عربا ومصريين .. فقرب مبنى البوليس police وهو قسم شرطة الميناء القديم المطل على ممر قناة السويس والبادىء بعتباته أول شارع فلسطين الموازى للمشى ديلسيبس والذى أصبح الأن مقر هيئة الموانى ببورسعيد يقول التاريخ والسارد الفعلى ..... أنه قد عبر من هنا المؤرخ المفكر الكاتب اللبنانى ذو النشأة والأصول والميلاد الفلسطينى .. ( د. نيقولا زيادة ) والمتوفى منذ عامين على وجه التقريب .. أنه قد أستقل باخرة سياحية من ميناء بورسعيد فى منتهى العام السابع والأربعين بعد الألف وتسعمائة وفى غمرة فوار هجرة أهالى فلسطين الحبيبة وترحيلهم خارج ديارهم إلى أمكنة عديدة مجهولة عربية وغربية وغيرها .. استقل نيقولا المركب السياحى من ميناء بورسعيد وقت مجده البكر بعد أن أستقل (زيادة ) الباص من قبل مكان سكنه فى ( يافا ) واصلاً إلى عكا هارباً بيخت صغير من ميناء حيفا إلى ميناء بورسعيد مباشرة ليودع الأجواء المصرية متجهاً ألى العاصمة البريطانية لندن لإستكمال دراسته لآطروحتيه الماجستير والدكتوراة وهذا ما كتبه وأكده فى مذكراته التى كانت تنشر تباعاً بملحق (آفاق) بجريدة الحياة اللندنية مع بدء العام 1999 حتى العام 2008 على وجه التقريب ... ويذكر الفنان نور الشريف فى حديث لإذاعة سورية أنه لم يجد ميناءً حراً يستقبله وقت المقاطعة العربية لمصر فى العام 1978 ، 1979 غير ميناء بورسعيد الذى قصده فى مركب سياحى قادماً من ميناء. أو مرفأ ( بيروت ) وبالعودة للتاريخ الفعلى لسيرة مدينة بورسعيد ثبت وبما لا يدع أدنى مجال للشك حقيقة هذه الوقائع.
استيدج مسرحى ولوكيشن سينمائي
بورسعيد إشاعة حب: من المعروف والثابت فى تاريخ ومسار الإنتاج السينمائى المصرى خارج القاهرة أن شهدت مدينة بورسعيد العشرات من الأفلام السينمائية الجادة التى أكدت تفرّد وخصوصية ونكهة هذا المكان عند كل فنان وبناء جمالى حقيقى. فى عام 1956 أمر الزعيم جمال عبد الناصر القائمين على المؤسسة العامة للسينما أو هيئة السينما بإنتاج فيلم ضخم توفر له كافة الإمكانيات المادية والبشرية والفنية ؛ لتؤكد دور أهل مدينة بورسعيد من نسائها ورجالها وحتى أطفالها فى حرب 1956 أو العدوان الثلاثى ، طامعاً أن يمثل هذا الفيلم مصر ومدينة بورسعيد ... والتأكيد من خلال دراماه والسيناريو المكتوب وهو الذى تطابق مع الحقيقة والواقع وظهر بعد تصوير الفيلم راضياً طموحات الزعيم ... واختير الفيلم لتمثيل مصر فى مهرجان موسكو على وجه التقريب وعرض بالفعل ليقدم صرخة احتجاج وإدانة للعدوان الغاشم على شعب ومدينة وأهالى بورسعيد الأمنة المسالمة قبل أن تكون باسلة ... وتتوالى بعد ذلك محطات فى السرد السينمائى بعناوين أفلام مثلت مفارق ورموزاً حية فى مسيرة السينما المصرية ، فبعد إشاعة حب لعمر الشريف وسعاد حسنى والمخرج الجميل زكى فطين عبد الوهاب تتوالى الأعمال واللقطات ... بعضهاً من أطياف ( الباب المفتوح ) ، ثورية الراحلة لطيفة الزيات ونضوج عذراء الشاشة العربية والتى أصبحت سيدتها ... فاتن حمامة وتستكمل المسيرة مع ( أهل القمة ) لعلى بدرخان ، حسن اللول للراحل العبقرى أحمد زكى والكاتب البورسعيدى صاحب القصة الشاهدة على الفجيعة والانقسام والجمال والسحر والخيبة خيبة مدينته ووطنه وبحره الكاتب الموهوب ( أحمد متولى ) ، لنرى بعد ذلك ذروة أفلام الأكشن فى قمة نضجها على يد المخرج سمير سيف فى المشبوه 1980 ، وكذلك طيف ( الماجك ) .. أو السحر فى ( الحريف ) لمحمد خان ، ولصوص خمس نجوم للراحل أشرف فهمى .. أعمال كثيرة فارقة مثلت لمخرجيها وممثليها وكذلك كتابها وسيناريستاتها إضافة بالغة الدلالة فى مسيرتهم مع الفن والحياة والمدن ومدينتنا تحديداً بورسعيد .. الرائحه والحواديت والزخم والحكى والهنجرانية أو الهنجراوية والمقصود كثيرو الكلام دون فعل وهى مقوله تعكس الضلال والهجر والعصف الذى أطاح بتجلى الجميل .. ولكنه فشل أن يعصف أو ينسف الجذر الممتد فى تربة المدينة الجليلة ويشهد على ذلك المساجد بيوت الله على الأرض. مع الترجل حتى منتهى شارع فلسطين الموازى للميناء وخلف قاعد البازلت التى كانت تحمل يوماً ما تمثال فرديناند ديليسبس البرونزي أو النحاسي ، وقرب ميناء الصيد القديم وهو من أقدم موانىْ الصيد في مصر ؛ حيث تم افتتاحه قبل الافتتاح الرسمي لممر القناة عام 1867 ، وصوب الجداريات التي تحيط أسوار فندق سونيستا سابقاً أي قبل الولوج لنادي الصيد ومنتهي شارع فلسطين الموازي لامتداد شارع الجمهورية تبدأ كاميرا الحقيقة المدهشة الجلية في استعراض بعض من بيوت الله ذات الزخارف والمشكاوات والممشاوات والمصابيح والقناديل والأفنية الفسيحة والمشربيات تتجلي في جدران ونوافذ مسجد السلام وهو أحدث المساجد المبنية في منتهي العقد الأول من عصر الانفتاح ( المنطقة الحرة )، ولأن هناك إيماناً عند أبناء المدينة بأن للديار منازل في القلوب البهية كثرت التأويلات والقصص والحكايا التي تخص ظروف ونشأة ودوافع البدء في إنشاء كل مسجد علي حدة لنسرد حكاية أعرق مساجد المدينة ( المسجد التوفيقي )1881 – 1882 ووضع حجر الأساس وتم الاحتفال في حي العرب ويفتتح رسمياً للصلاة في مايو 1858 عند زيارة الخديو توفيق لبورسعيد والذي كان وما زال تحفة معمارية إسلامية مع خليط ومزيج من الأصالة والعراقة ، و أضيفت إليهما صبغة للفخامة و العتاقة خاصة بعد أن أعيد ترميمه في عام 2001 تقريباً ليصبح مرتادوه أثرياء المنطقة الحرة بعد تجليهم وسريان روائح البرفانات الفرنسية والسعودية العتيقة التي تشتم من قبل البسطاء أبناء المدينة الحقيقيين الذين فروا إلي مساجد أخري أكثر مواءمة للتواضع تأكيداً لتلاوات وتراتيل آيات الخشوع... كما في المسجد العباسي المطل علي شارع محمد علي لآخر حكايا بيوت الله التي يرويها أبناء المدينة والتي لم تعد خافية عن أحد سواء مؤرخ عادل أو حكاء عاشق... ولك في القلوب منازل أيتها الديار ... مسجد الوليد الذي يقع في شارع السواحل وبني سويف أي في حي المناخ والذي يقع في شارع السواحل وبني سويف أي في حي المناخ والذي أنشيْ في عام 1986، وتكفل به رجل الأعمال عبد الوهاب قوطه ... والمدهش بل الغريب بل والمفجع أن موقع هذا المسجد قد أُقيم علي الأرض الفضاء أو الخراب التي كانت تحوي أو تحتوي علي جمعية ( بورسعيد للرفق بالحيوان ) أي الشفخانة كما كان يردد قديماً أهل بورسعيد أبناء الطبقة الوسطي عقب ثورة يوليو مباشرة وتحديداً سكان حي المناخ ... يقول الراوي محمد عبد الرحيم ومن بعده ردد وأكد ابنه حسن عبد الرحيم ( المستبقي )! والذي ظل قابعاً في المدينة بداية من عام 1948 حتى عودة آخر من تهجروا من أبناء المدينة فى عام 1975 .. إن هذا المكان .. جمعية الرفق أو الشفخانة .. أو مسجد الوليد كانت مقبرة مؤقتة لضحايا الشظايا وطلقات المدافع وهجمات البوارج على النسوة والرجال والشباب والأطفال وحتى الشيوخ على شاطئ بورسعيد وقت أول إنزال لقوات العدوان الثلاثى .. إسرائيل إنجلترافرنسا قرب شاطئ الجميل وجهة الثكنات العسكرية وفي مواجهة مقابر المناخ للأ قباط الأرثوذكس والكاثوليك والبروتستانت الملازمة لمقابر المسلمين فلا يفصل بينهما إلا صبارات عتيقة.. وهنا أصل الحكايا ومهدها... حتى فيما يخص الزى البورسعيدى هناك تشابه بل وتطابق بين ما كان يرتدى المواطن البورسعيدى من ملابس والأخر الإيطالى والقبرصى وكذلك اليونانى ممن هم على الجانب الأخر من شاطئ المتوسط وخاصة العاملين بالمهن البحرية كالبمبوطية والمساجيري ؛ حيث تعودوا أن يرتدوا البناطيل الكاوبوي والفانلات الصوفية الهاى كول و( البلمة ) وبروز المنديل من الجيب الأيمن الخلفى للبنطال .. وأحيانايضع البحرى أو البمبوطى من هؤلاء أو حتى ابن البلد فى الأحياء الشعبية العريقة وتحديداً حى العرب ... وردة حمراء في عروة الجاكيت الجينز أو السترة أو وضع عنقود الفل مطوقاً عنقه في الصيف بعد العصاري وقبل المغارب ... فهذه الشكلانية أو المظهر الخارجى فى طبيعة الزى الذى يتواءم مع أصل مصطلح بحرى ساحلى صرف ، يعنىالمتجول أو السائح مثلاً وهى مفردة شائعة فى الوسط البورسعيدي حتى فى الغنى وعلى السمسمية ... والمناجاة من أهل بحر وسواحل وميناء ، لبحر ثان وميناء هام وشعب أحب الرد على المناجاة بالغزل والملاغية .. فالمهنة واحدة والهم واحد والعشق واحد والرب واحد يقول مغنى السمسمية الشهير الراحل حسن العشرى مغازلاً أهل الإسكندرية في منتصف السبعينيات ( ياما أريت وسمعت كلام عن الناس الإسكندران ... دول ناس بحارة وناس جدعان ... عندكم منشية وفى بلدكم رأس التين .. عندنا منشية وعندنا شارع الأمين .. عندكم عمود السوارى عندنا برضة التجارى .. وعندكم مصنع للبيبس .. عندنا حجر ديليسبس ) ، ويختتم المغنى وعازف السمسمية والراوى والمغنى الشعبى بعد الألفية الثاني والصوت الجميل لبلبل السمسمية قائد فرقة الطنبور الريس زكريا فالماضى يجتر ويستحضر طمعاً فى التغلب على الأسى السارح فى اللحم الحى عند أبناء المدينة الذين باتوا يرددون ليل نهار ودون انقطاع لقتل الحنين ( النوستالجيا ) ... الدنيا بتولع نار وبخيتة زى المنشار .. عمال ألف ليل ونهار لاجى حج الدخان .. الله الدنيا .. الحذاء راح يا دوب مش عارف أجيب مركوب .. أبو العربى خلاص بياكل طوب والله الدينا .. وهذه هي أنسب أغاني حسن العشري والريس زكريا فهمي المعبرة عن أحوال ابن مدينة بورسعيد الحقيقي والأصيل الذي انزوي وتواري الآن.ٍٍ