للكون أسرار لا يعلمها إلا الخالق.. إنها صفقات وطبائع وغرائز تبثها المشيئة الالهية في الكائنات لتكون أسلوب حياة، وتعجز قدرات البشر في كشف أسرار تلك الصفات والطبائع والغرائز. وإذا كان سر طائر «الحمام الزاجل» شغل بال العالم سنوات وسنوات لكشف سر معرفة هذا الطائر طريقه إلي بيته من خلال إطلاقه علي بعد ألف كيلو متر.. الي حد أن وضع العلماء أجهزة رادار في أقدام الزاجل لتكشف أسراره وفشلت كل محاولات العلماء في معرفة أسرار الأجهزة الالهية التي وضعها الخالق في تكوين الحمام الزاجل حتي يعرف طريقه إلي بيته عبر طيران ألف كيلو متر.. علي أن تساؤلات حائرة يطرحها الإنسان أيضا عندما يكتشف أن طيور الدنيا بكاملها تمتلك غرائز يحتار الفهم الإنساني في كشف محورها. ومن أقصي شمال الدنيا تتحرك غرائز الهجرة في كيان طيور الشمال عندما تبدأ نسمات الخريف الطرية تتسلل الي الوجود، وينطلق من أقصي الشمال 500 مليون طائر تمثل 37 نوعا من الطيور بغريزة الهجرة التي تولد بها هربا من الصقيع ولسعات البرد التي تعلم الطيور أنها قادمة.. حتي قبل أن تهل هناك جهاز ما بداخلها ينبئها بموعد الخريف.. وينبئها أيضا أن الاتجاه جنوبا هو الحل.. وتعرف هذه الطيور طريقها تماما.. حتي وان كانت تقتطعه لأول مرة.. وتسلك الاتجاه نفسه والمسار نفسه.. وتختلف المسارات طبقا لاختلاف أنواع الطيور.. فهناك الأنواع التي تقطع البحر المتوسط مباشرة.. وهي الأنواع التي تستطيع الطيران لمدة طويلة دون توقف مثل الطيور المائية والطيور المغردة والتي تتميز بانتشارها الواسع فى أثناء الهجرة وتقضي فصل الشتاء في شمال أفريقيا. أما «الطيور الحوامة» مثل اللقلق والبجع وبعض الطيور الجارحة فإنها تعبر المتوسط من الممرات الضيقة أو تتبع الساحل الشرقي للبحر المتوسط حيث تتجمع بأعداد كبيرة في نقاط استراتيجية وهي مناطق محمية رأس محمد والعين السخنة بالسويس وجبل الزيت بالبحر الأحمر.. وتعتبر مصر أحد المسارات الثلاثة المعروفة عالميا لهجرة الطيور القادمة من الشمال الي المناطق الدافئة في افريقيا.. ويقضي الكثير منها الشتاء في المناطق الرطبة بمصر مما يجعلها مشتا دوليا مهما للطيور المائية.. كما يوجد بمصر ستة عشر نوعا من الطيور المهددة بالانقراض علي مستوي العالم والتي تمثل مصر أهمية كبري بالنسبة لسبعة منها. ويوجد بمصر 34 منطقة جاذبة لهذه الطيور أهمها بحيرة البردويل والملاحة والمنزلة والبرلس وجبل علبه وبحيرة قارون ووادي الجمال وجنوب نهر النيل. ولأن مصر تمثل المعبر اليابس الوحيد بين 3 قارات (أوروبا وآسيا وأفريقيا) لذا فهي أهم طرق هجرة الطيور في العالم حيث يعبر خلالها مئات الملايين من الطيور خلال كل ربيع وخريف. وعلي شواطيء الجنوب حيث تحط الأسراب المهاجرة ينتظر البشر الخير القادم عبر البحر والذي يمثل وجبات غذائية خريفية لا مثيل لها! وعلى امتداد الساحل المصرى الشمالى من مطروح حتى العريش يتم نصب مئات من الشباك لصيد أسراب «السمان» لحظة وصولها إلى الشاطئ منهكة ومتعبة لتتحول إلى وجبة شواء لا مثيل لها ينتظرها أهل مصر طوال العام. .. وكان يأتى معها فى الزمن الجميل أسراب من السردين التى تعشق طمى النيل.. وكان فصل فيضان النيل فى الخريف أيضا يمثل موسما هائلا لصيد السردين على شواطئ دمياط ورشيد.. ولكن الطمى اختفى باقامة السد العالى واختفى معه أسراب السردين.. وبقى «السمان» وحده فى مذبحة الخريف. وما أن تهمل برودة الشتاء حتى تأتى أسراب البط المهاجرة إلى بحيرات الشمال وبالذات البردويل والعباسة والأراضى الرطبة بشمال الدلتا.. وتتحول أسراب البط فى المدن الساحلية وبالذات دمياط ورشيد إلى وجبات أسطورية بعد حشوها بخليط من الباذنجان والبصل المصرى والبهارات وزجها فى الأفران لتصبح وجبة يحلم بها أهل مصر من شمالها حتى جنوبها.. ولكنك لن تجدها إلا فى دمياط أو رشيد مع طاجن الأرز «المعمر» الرشيدى الذى لا مثيل له. ولكن طيور الشمال المهاجرة ليست جميعها قادمة بالخير.. فإن منها ما يشكل مشكلة بيئية مقلقة عندما تتغذى هذه الطيور على أسماك «الدنيس» الفاخرة فى بحيرات الشمال وبالذات البردويل والبرلس والمنزلة. والأدهى والأمر أن قوانين البيئة تمنع وتحرم اصطياد هذه الطيور بزعم الحفاظ عليها من الانقراض! وحسب تقديرات المسئولين عن هذه البحيرات فإن الفاقد من أسماك الدنيس فى هذه البحيرات يصل إلى 30% وهى نسبة عالية جدا يتغذى عليها طيور الشمال المهاجرة. وإذا كانت الأممالمتحدة قد تدخلت أخيرا بالاشتراك مع المجلس العالمى لحماية الطيور لصون وحماية الطيور المهاجرة.. فقد تم منذ اشراك مصر وبعض الدول العربية فى هذا البرنامج الذى يسعى الى حماية الطيور المهاجرة من أخطار الصيد الجائر والتسمم بالمبيدات.. والصعق بأسلاك الكهرباء خطوط الضغط العالي.. ويسعى البرنامج كما يشرح المهندس أحمد أبو السعود رئيس جهاز شئون البيئة إلى رفع الوعى البيئى ودعم القدرات الوطنية من أجل حماية الطيور المهاجرة. وبالذات »الطيور الحوامة« التى تهاجر بطول ساحل البحر الأحمر والأخدود الإفريقى الأعظم حيث يهاجر 1.5 مليون طائر سنويا من الطيور الحوامة (الجوارح واللقالق والبجع وأبو حنجل) ويوجد خمسة أنواع منها مهددة بالانقراض على الصعيد العالمي). على أن خطرا جديدا قد ظهر هذه الأيام كما يضيف المهندس أبو السعود وهو ضربات مراوح توليد الكهرباء من الرياح فى مزارع الرياح بالزعفران وجبل الزيت والبحر الأحمر، إذ أنها تقع فى مسار هذه الطيور مما أدى الى قتل أعداد هائلة منها.. ومن أجل عيون الطيور الحوامة القادمة عبر شواطئ البحر الأحمر.. فقد تقرر تركيب أجهزة «رادار» على مشارف محطات طاقة الرياح لتكشف على بعد 12 كيلو مترا أسراب الطيور القادمة.. وتقوم بالوقف المؤقت للمراوح خلال لحظات عبور هذه الأسراب فوق محطات الرياح.