لما الواحد يكون له مصلحة عند موظف حكومة و(عايزها) تخلص من غير (تلاكيك) سيضطر أن يدس فى يد الموظف عشرين جنيها، وبقدرة قادر سيتحول الموظف الذى كان (معقدلك) الدنيا ويكلمك بقرف إلى (مروحة)، وبكل نشاط وحيوية يلف على مكاتب المسئولين ويخلص أوراقك حتى ولو كان طلبك ليس من اختصاصاته. نفس الأسلوب كان يتبعه نواب النظام السابق فى البرلمان ليقينهم أن الفلوس هى التى تحكم العلاقة بينهم وبين الناس، وليس مصلحة الوطن وثقة الناس فى أن هذا العضو يتقدم لهذا المنصب لخدمتهم، كان المرشح الوحيد فى دائرتنا من عائلة تتوارث (كرسى البرلمان) عن طريق شراء الأصوات وولاء عمدة البلد له، وفى كل دورة كان عضو البرلمان يعطى قطعة أرض (ميرى أو وقف وليست ملك له) لعمدة البلد على سبيل (المعونة)، حتى يضمن أصوات أهل البلدة، ويتم الإعلان رسميا عن المعونة وفيما ستصرف وتستخدم، مثل إقامة مدرسة أو مستشفى أو مشروع يخدم البلد، وعليه يضطر الناس إلى انتخابه بغض النظر عن كونه يصلح لهذا المنصب أم لا. وبعد انتهاء الانتخابات يضع عمدة البلد يده على الأرض ويقوم ببناء مزرعة مواشى عليها أو زراعتها.. (واللى هيهوب ناحية الأرض هقطع رجله)، وبعد مفاوضات وصراخ كبار عائلات القرية يتضح أن الأرض مسجلة باسم العمدة، ويتضح أن المعونة (بلعها) العمدة الذى هو فى الأصل من (رجالة) عضو البرلمان (ودراعه اليمين)، يعنى المعونة تأتى باسم مصلحة البلد وتذهب لمصلحة العمدة والعضو المحترم، والبلد تقعد تندب حظها وتعيش فى بؤس وضنك ومشاحنات وتدخلات وأكاذيب وعملاء ونشطاء وفتن. المعونة الأمريكية ليست ببعيدة عن (معونة العمدة).. فالاسم أننا نأخذ كذا وكذا، والحقيقة أن كذا وكذا يدخل جيوب (فلان وعلان)، وجهات معينة تخدم المصالح الأمريكية، نفس منطق العمدة وعضو البرلمان، الفرق بينهما ليس كبيرا بل وجه الشبه بينهما واحد وهو السمع والطاعة وتنفيذ الأوامر التى دائما وغالبا وأكيدا ويقينا تكون ضد مصلحة مصر. ومبدأ شراء الذمم والبشر لعبة قديمة فى سياسيات الدول، تستخدم في سبيلها كل وسيلة مكيافيلية، والمعونة إحداها وهى ذريعة تم اختراعها في عهد الرئيس جون كيندي عام 1961م بزعم تشجيع التنمية الاقتصادية بالدول النامية وتحسين الصحة العامة ونشر الديمقراطية، هذا هو الهدف المعلن، لكن فى الحقيقة هو استعمار اقتصادى ومالى وفكرى عوضا عن الاستعمار العسكرى. وبرغم أن المعونة حق لمصر وليست هبة، وإنما تعويض لمصر عن الخسائر التى لحقت بها أيام توقيع اتفاقية كامب ديفيد، وحق شهدائنا الأسرى الذين قتلوا على أيدى الجيش الإسرائيلى بدم بارد، فإنها فجأة تحولت إلى سبة ولعنة ووسيلة ضغط لمآرب قذرة، وأصبح أثرها على مصر كارثيا بكل المقاييس، ولن ننهض ويستقل قرارنا إلا بقطعها، أو جعل شروطها في أيدينا نحن كما فعلت إسرائيل، وليس في يد أمريكا. وهل نحن عاجزون عن النهوض باقتصادنا ولدينا ثروات ومشاريع هائلة تم دفنها فى عقول علمائنا والتعتيم عليها لنظل نمد يدنا لموائد اللئام؟!.. لدينا قناة السويس ومشروع تحصيل رسومها بالجنيه المصرى، ونستطيع بيع الغاز لإسرائيل بالسعر العالمى، ما دمنا لن نستطيع إلغاء صفقة الفساد المشئومة، فحسب خبراء الاقتصاد سيوفر لمصر ثلاثة أو أربع أضعاف قيمة المعونة ويكون بشرف وكرامة.. لدينا الصحارى والشمس والهواء والسياحة والزراعة والصناعة والعقول المفكرة المنتجة والأيدى العاملة؛ فقط نحتاج رجالا مخلصين وطنيين شرفاء (حقيقة لا كلاما) يديرون البلد بزمة وضمير وهمة وعزيمة. لحظة : جرح الألتراس كلما طالت الأيام عليه زادتهم قوة وإصرارا لمعرفة الحقيقة..! المزيد من مقالات على جاد