فى مقال ب «دورية القوات المسلحة» AFJ التى تصدر عن الجيش الأمريكى) عدد مارس 2014)، قال العقيد روبرت تايلور المدرس فى كلية القيادة والأركان العامة فى ليفوورث إن «أية مراجعة للصراع الحالى فى سوريا تتجاهل اقتصاديات الجغرافيا السياسية فى المنطقة هى مراجعة غير مكتملة.. وكل تقارير وسائل الإعلام تندرج تحت هذا الوصف».. الرواية غير المكتملة فى الصراع تغض الطرف عن حقائق يلتف حولها التيار الرئيسى فى الإعلام الغربى ونسير نحن وراءه دون الدخول فى عمق الأحداث وتكوين رؤية صافية عما يجرى من تمزيق وتفتيت لسورياوالعراق، والحقيقة الأولى أن ما يجرى هو أول حرب فى القرن الحادى والعشرين حول «انابيب الغاز»- أو بالأحرى المسار المتنازع عليه الذى سيأخذ الغاز الطبيعى القطرىوالإيرانى إلى أوروبا الغربية- وهو صراع سبق بسنوات موجة ما سمى ب «الربيع العربي» ووصل إلى ذروته قبل شهور من اندلاع أولى الثورات فى تونس نهاية عام 2010. والحقيقة الثانية أن هناك شبه إجماع فى الدوائر الغربية (والروسية ايضا) أن محصلة الحرب والصراع الأهلى فى سوريا سيحددان إلى حد كبير خريطة تجارة الغاز الطبيعى فى العالم لعقود قادمة. قاد الحظ العثر دولة فقيرة مثل سوريا فى طريق اللاعبين الكبار فى سوق الغاز الطبيعي- قطروإيران وروسيا. تريد قطر تأمين حصتها فى السوق العالمىة بإبرام عقود مع القارة الأوروبية التى قامت بتأمين وارداتها من الغاز حتى عام 2030، من هنا نشأ مشروع خطوط «نابيكو» من شرق تركيا إلى النمسا. وفى العام 2009، زار أمير قطر حمد بن خليفة أنقرة للاتفاق على أنبوب يصل بين قطر وخط «نابيكو» لتوفير كميات كافية لاستمرار تشغيل الخط على أن تمر الانابيب عبر السعودية والأردن وسوريا ثم الأراضى التركية. فى المقابل، فى 25 يونيو 2011، وقعت إيران مذكرة تفاهم لبناء خط أنابيب يمر بالعراقوسوريا بتكلفة عشرة مليارات دولار تضمن مقترحا بنقل الغاز عبر أنابيب فى مياه البحر المتوسط من ميناءى طرطوس واللاذقية إلى اليونان ومنها للأسواق الأوروبية. وبعد توقيع المذكرة بين طهران وبغداد ودمشق بدأت بشائر القتال العنيف وتدفق المقاتلين الأجانب - وصلت اليوم إلى عشرات الآلاف من 81 دولة- على سوريا فى حرب أممية جرى التخطيط لها بعناية فائقة. خط الأنابيب القطرى من المفترض أنه سيوفر للأتراك فرصة الخلاص من الاعتماد على الواردات الإيرانية وينهى احتكار الروس صادرات الغاز للقارة الأوروبية، ويهبط بالأسعار أيضا، والعامل الخفى هو زيادة فرص صادرات الغاز الإسرائيلية لأوروبا! هكذا، تشكلت قواعد دولة «جازيستان» التى تحكمها قواعد غير أخلاقية فى العلاقات الدولية وهدفها الرئيسى هو الفوز بنصيب الأسد فى صفقات أنابيب الغاز من خلال تفتيت الدول إلى كيانات أصغر تدين بالولاء للممولين الكبار لخطوط أنابيب الغاز.. السيناريو يسير بإحكام شديد فى العراقوسوريا لكنه خرج عن نطاق السيطرة عندما أظهر النظام السورى مقاومة عنيفة بدعم من أصدقائه مما استدعى إنفاقا جنونيا من الأطراف الداعمة للميليشيات المسلحة حتى أصبح تنظيم مثل «داعش» يسيطر على ثلث مساحات أراضى العراقوسوريا ويهدد دول الجوار السعودية والأردن ولبنان ويهدد بخلق دولة تملك أموالا وفيرة تفوق بكثير «طالبان ستان» التى ظهرت فى أفغانستان وقامت الولاياتالمتحدة بشن حرب ضدها عقب هجمات 11 سبتمبر الإرهابية. المثير للقلق أن «اللعبة الصفرية» حول أنابيب نقل الغاز ترعاها دول لن تتوقف عن تعديل سيناريوهات التعامل مع الموقف وربما مجاراة الدول الكبرى والإقليمية فى دعاوى التصدى لخطر التنظيمات الإرهابية الجديدة لكنها لن تستسلم لفكرة نفض يدها عن الصراع الدائر فى العراقوسوريا لأن الهدف الإستراتيجى لتمويل الصراع الداخلي- الذى بدأ بمطالب شعبية لتحقيق الديمقراطية والحرية والخلاص من الأنظمة السلطوية- لم يتحقق حتى الآن وكل تكتل يريد اليوم تحقيق حلفائه لإنتصارات تمكنه من رسم خريطة جديدة لصادرات الغاز الطبيعى إلى الأسواق الكبرى فى الغرب. ومن ثم، ستكون مشاركة بعض العواصم فى أى تحالف دولى محتمل ضد «داعش» أو أخواتها مرهونة بحسابات أخرى لا تظهر فى عناوين الأخبار الدراجة التى اعتدنا عليها فى السنوات الثلاث الماضية وليس صحيحا ما تقوله تلك العواصم من أن قمة أولوياتها هى رفع المعاناة عن الشعب السورى بعد تخطى أعداد اللأجئين ثلاثة ملايين شخص منذ بدء الحرب الأهلية الممولة من الخارج.. الحسبة الإقليمية بالغة الصعوبة وبالغة العفن والكيانات الإرهابية تلعب دوراً مرسوماً يحتاج إجهاضه إلى معجزات! لمزيد من مقالات عزت ابراهيم