ذات ليلة من عام1971, اختفي وزير الخارجية الأمريكية هنري كيسنجر عن الأنظار, علي نحو غامض ومثير, إبان زيارته لباكستان, وقال المسئولون في إسلام آباد: إنه مريض. ولم يكن ما قالوه سوي أكذوبة ضمن خطة سرية لسفر كيسنجر إلي الصين, ونجحت الخطة, وأمضي في بكين49 ساعة التقي خلالها مع الزعيم ماو تسي تونج. وما إن عاد سرا إلي باكستان, حتي أبلغ الرئيس ريتشارد نيكسون بنجاح مهمته, وأذهل نيكسون العالم عندما أعلن في15 يوليو1971 أنه سوف يزور الصين, وقام بزيارتها في17 فبراير1972, ومكث فيها أسبوعا, وقبيل مغادرته قال بزهو: لقد غير هذا الأسبوع العالم. غير أن الذكري الأربعين لزيارة نيكسون ومغامرة كيسنجر لم تحظ بما يكف من الاهتمام, لقد طغت عليها مراسم الاستعداد لتغيير القيادة في الصين. ذلك أن زعيما جديدا هو شي جين بنج يتأهب لقيادة الصين, التي ترشحها الدراسات الجادة للتفوق علي الاقتصاد الأمريكي بحلول عام2040, ومعني هذا إذا ما صدقت التوقعات, أن تتغير المعادلات السياسية شرقا وغربا, ويبدأ زمن صعود التنين الصيني, وهبوط النسر الأمريكي. وهذه تقديرات تؤرق أمريكا. وكانت الصين, منذ موت ماو وتولي هسياو بنج السلطة عام1978, قد شقت طريقها بجسارة ودأب نحو القمة عبر اقتصاد السوق, وحققت في خلال العقود الثلاثة الماضية معدلات نمو هائلة ومذهلة, برغم هيمنة الحزب الشيوعي علي مقاليدها. غير أن هذا الحزب لم يعد زعيمه ينفرد باتخاذ القرارات, مثلما كان الحال إبان حياة ماو روهيساو بنج, فقد صار اتخاذ القرار توافقيا في ظل زعامة الرئيس هو جينتاو, الذي سيترك منصبه, طواعية واختيارا, بعد فترتين رئاسيتين مدتهما عشر سنوات. ويستعد الآن نائبه شي جين بنج(58 عاما) لتولي زعامة الحزب في نهاية العام الحالي2012, علي أن يتولي الرئاسة في بداية.2013 وللزعيم الجديد قصة بدايتها حزينة, وقد تنبأ باحتمالات المسار الجديد للصين, فعندما كان في التاسعة من عمره, طرد ماو تسي تونج والده من الحزب, وزج به لمدة ستة عشر عاما في معسكرات الاعتقال. وعندما اندلعت الثورة الثقافية عام1966, وعربدت عصابة الأربعة بزعامة زوجة ماو في البلاد, جري مجددا اعتقال والده, وتم عقاب الفتي بترحيله إلي قرية نائية ليعمل مع الفلاحين لمدة سبع سنوات. غير أن الفتي ووالده استقرت أحوالهما عندما تولي هيساو بنج السلطة, وكلف والده بمهمة إقامة أول منطقة اقتصادية حرة, وانضم شي إلي الحزب الشيوعي, واستكمل تعليمه, وبدأ رحلة صعوده السياسي, وتم تعيينه نائبا للرئيس. ويقول الكاتب الصيني هو بن: إن العامة يعتبرونه رجل الشعب, وإن معاناته أيام صباه ترشحه للدفاع عن مصالح الجماهير, وتضييق الهوة بين الأغنياء والفقراء, ومن المرجح أن يحذو حذو والده, وكان قد اعترض علي قمع المتظاهرين في الميدان السماوي عام.1989 وإذا كانت الصين قد اجتازت أزمة الميدان السماوي, إلا أن ثورات الربيع العربي تؤرق قادتها, علي حد تعبير الكاتب هو بن, فقد جعلت هذه الثورات قادة الصين يدركون إمكان تعرضهم للمشكلات والقلاقل, فخاصة بعد إجماع المراقبين الدوليين علي تأثير هذه الثورات علي حركات الاحتجاج الاجتماعية التي ترمز إليها الآن حركة احتلوا وول ستريت. ويبدو الأمر مثيرا للدهشة عندما تحاول الثورة المضادة إجهاض ثورة25 يناير, لكن المؤكد أن الثورة التي ترمز للربيع العربي, لا يمكن اختطافها, وكذلك التحول الكبير المتوقع أن تشهده الصين في ظل القيادة الجديدة. ولايزال هنري كيسنجر يرقب الموقف ويؤجج عبر كتبه ومقالاته المخاوف من قوي التغيير الجديدة في العالم. المزيد من أعمدة محمد عيسي الشرقاوي