مابين ذكرى رحيل مارد الشعر العربى الشاعر الفلسطينى محمود درويش ورحيل توأمة روحه وشق البرتقالة الآخر الشاعر سميح القاسم , تختزن أرض فلسطين فى باطنها شظايا أحزان متراكمة , الحرب الدائرة فى غزة التى فتكت بعنفوانها وأنهكت صمودها ورحيل خيرة رجالها , لكن رحيل القاسم كان أقسى عليها من جنون الحرب المسعورة التى تشنها اسرائيل الآن على قطاع غزة . رحل سميح القاسم "شق البرتقالة الفلسطينية" كما قال عنه الأديب والكاتب الكبير الراحل "أميل حبيبى" حينما وصف العلاقة الحميمة التى تجمع بين الشاعرين المشاغبين محمود درويش وسميح القاسم فى مقدمة كتابهما "الرسائل" , ذلك الكتاب الذى يجمع قصاصات تاريخ ممتد من المشاعر والحنين والاغتراب والغربة والاستشراف والمقاومة والشعر فى رسائل متبادلة بين درويش والقاسم , شق يعبر عن مشاعر الداخل بكل أوجاعه ومعاناته ونضاله , والشق الآخر يعبر عن مشاعر الخارج بكل مافيها من أحاسيس الاغتراب والغربة والحنين للوطن ومناجاة أوجاع البعاد . كتاب الرسائل كان من أبدع ما كٌتب وعَبر عن شجون الوطن بين توأمى الشعر محمود درويش وسميح القاسم بأسلوب أدبى نثرى ثرى ومتميز ممزوجا بآهات الألم , تماهت فيه روح الابداع مع شجون البعاد القسرى بين روحين جمعت بينهما الهوية والمعاناة وقضية وطن , وفرقت بينهما المنافى ومحطات السفر والترحال , فكان الشعر والمناجاة هما السلوى والملاذ ليعبرا بهما إلى حضن الوطن , فى زمن احتلال غاشم ضن عليهما بالتلاقى والتآم الوصال . هكذا الحياة لابد لها من نهاية كما كان لها بداية , تتساقط الأوراق واحدة تلو الأخرى .. رحل سميح القاسم المحارب العنيد قاوم الاحتلال وتحمل ذل الاعتقال وألم التعذيب , قاوم سياسة الاحتلال وثقافة التهويد بالشعر والنثر , فكانت كتاباته سلاح فتاك فى وجه الاحتلال , تعرض للاعتقال أكثر من مرة والاقامة الجبرية والتهديد بالقتل بسبب مواقفه الوطنية والقومية الرافضة للاحتلال والتهويد , لكن أى من ذلك لم يفت له عزيمة أو يثنه عن عقيدته المقاومة للاحتلال , اشتهر بمقاومته الشرسة للتجنيد الاجبارى الاسرائيلى للطائفة الدرزية التى ينتمى إليها وكان قد رفض أن يجند فى صفوف قوات الاحتلال , فعرف من خلال هذا الرفض طريق السجن والاعتقال , غاص فى شعر المقاومة كما القابض على الجمر فأبدع وكتب القصائد الملهمة والملهبة للحماسة , أصدر أكثر من 80 كتابا معظمها دواوين شعر ونثر وأعمال مسرحسة شهيرة , نال العديد من الجوائز منها جائزة "غاز الشعر" من أسبانيا وجائزتين من فرنسا , كما حاز على جائزة "البابطين" الشهيرة وأيضا على جائزة "وسام القدس للثقافة" وجائزة "نجيب محفوظ" فى مصر وعلى جائزة السلام وجائزة الشعر الفلسطينية , كتب سميح الكثير من القصائد التى تغنى بها العالم العربى وأشهرها تلك التى تغنى بها مارسيل خليفة ويتغنى بها أطفال فلسطين فى كل مناسبة وطنية " منتصب القامة أمشى .. مرفوع الهامة أمشى , فى كفى قصفة زيتون وعلى كتفى نعشى .. وأنا أمشى وأنا أمشى وأنا وأنا وأنا أمشى" لم يهزمه جبروت الاحتلال وطغيانه طوال سنوات عمره 75 , لكن سرطان الكبد اللعين استطاع هزيمته تاركا وراءه تراثا أدبيا فريدا ووهج وطنى لايقارن وينبوع حب وانتماء ربما لن يتكرر .. هكذا غادر القاسم بهدوء فى الوقت الذى تشتعل فيه غزة .. القطعة من روحه , ربما وهو يكتب قصيدته التى يقول فيها .. " تقدموا تقدموا .. براجمات حقدكم وناقلات جندكم , فكل سماء فوقكم جهنم .. وكل أرض تحتكم جهنم " كان يستشرف فيها ما تعانيه غزة الآن وما عانته أراضى فلسطينالمحتلة من قبل . رحم الله سميح القاسم شاعر فلسطين الحر المقاوم وكان فى عون فلسطين من بعده .. لمزيد من مقالات جيهان فوزى