النظام السياسى فى خريطة الطريق مكون من دستور ورئيس وبرلمان، ومصر حققت الاستحقاقين الاولين، والانتخابات البرلمانية القادمة نهاية هذا العام سوف تكمل تشكيل النظام السياسى، وتؤدى كما هو مأمول إلى الاستقرار السياسى المنشود، بعد أعوام من عدم الاستقرار. لكن باختصار، يدور تساؤل على مستوى النخبة وبعض طوائف الشعب، هل بعد ثورة 30 يونيو التى تشبه سقوط الاحزاب الشيوعية فى اوروبا الشرقية واسقطت اكبر تنظيم اسلام سياسى مدعوم من الامبريالية الغربية منذ نشأته وحتى الآن، يمكن للناخبين المصريين المقيمين تحديدا فى المناطق الفقيرة انتخاب مرشحين ممن لايزالون يتاجرون بأوهام وخطابات وشعارات دينية تابعة لتلك التنظيمات الخوارجية. فالأشهر الماضية شهدت إجراء الاستفتاء على الدستور الجديد 2014، وأجريت انتخابات الرئاسة، وذكر أن هناك تراجعا فى نسبة المشاركة السياسية، نظرا لغياب ماكينات تعبئة الناخبين التقليدية، التابعة للحزب الوطنى والاخوان والسلفيين، ما جعل الاستفتاء والانتخابات الرئاسية أول انتخابات تقريبا تخلو من أتوبيسات نقل الناخبين، أو رشوتهم عبر توزيع صكوك الغفران والإيمان عليهم. وهنا قد يتوقع البعض استمرار هذه الظاهرة، إذا لم تقم تلك القوى السياسية من اسلام سياسى وفلول الحزب الوطنى بتعبئة كوادرها للمشاركة فى الانتخابات البرلمانية، فتنخفض المشاركة القادمة ربما إلى أقل من 50% من الناخبين. وقد فسرت انتصارات تلك التيارات فى انتخابات برلمان 2011 بقدم تلك التنظيمات وترك الساحة الاجتماعية لهم فى المناطق الريفية يبنون فيها رأس مال اجتماعيا يقومون بحصده فى الانتخابات السياسية، وهو مالم يكن متاحا للاحزاب التى لاتستخدم شعارات دينية، حيث كان نظام مبارك يقوم بابتزاز الغرب، وإرهاب الداخل بترك الساحة الاجتماعية للتيارات المتأسلمة فى المناطق الفقيرة، ويؤكد أنه لابديل لنظامه إلا من هو أسوأ منه. وتبلغ نسب الفقر فى مصر نحو 40% من السكان، وأجر المواطن أقل من دولارين يوميا. والفقر والأمية الابجدية والثقافية هى ساحة خصبة لتجارة الشعارات والاوهام الدينية. وهناك عدة عوامل ستؤثر على اختيارات الناخبين الفقراء، خاصة بعد اقرار قانون النظام الانتخابى المختلط فى يوليو 2014 باعطاء 80% أو ثلثى المقاعد (480 مقعدا) للنظام الفردى و20% (120 مقعدا) لنظام القوائم المطلقة. أضف إلى ذلك ضعف الأحزاب السياسية التى بلغت 90 حزبا وتمويلها وتشابه أيديولوجيتها وعدم خبرتها وافتقادها القيادات الكاريزمية ووجودها الضعيف فى المناطق الفقيرة والريف (نحو 58% من سكان مصر) ونفس الشىء يذكر فيما يتعلق بالقوى الثورية. من هذه العوامل أن أصبح البرلمان القادم خاضعا لمن يملك تمويل الفرد المرشح والولاءات العائلية والقبلية ورجال الأعمال. وهنا يمكن أن يلعب المال السياسى المحلى والخارجى المعلوم وغير المعلوم مصدره دورا مهما وحاسما. كما أن منع الشعارات الدينية فى الانتخابات سوف تكون له انعكاسات على الناخبين. إلى جانب مشاركة تيارات الاسلام السياسى وحجم تلك المشاركة التى ربما تكون منخفضة فى هذه الدورة، نظرا لهروب وسجن القيادات وتشرذم التنظيم. لكن هل سوف تتأثر كتل الفقراء بتلك الشعارات مرة أخرى؟ وهل سوف تجرى عمليات الرشوة الانتخابية، من زيت وسكر وما شابه ذلك ليبيع الفقير صوته مقابل خدمة أو منتج يستهلكه أو شعار دينى وهمى؟ علاوة على أن الشعب يعرف أن عدد المرشحين المستقلين أكثر من الأحزاب، ومن المؤكد أن البرلمان المقبل، سوف يكون المستقلون فيه أقوى كتلة، ينتخبون فى 266 دائرة فردية، مقابل 8 دوائر انتخابية للقوائم النسبية. ما العمل؟ نظرا لضيق الوقت وضعف الأحزاب الليبرالية المدنية التى تحتاج لمزيد من التوحد والاندماج، فإن الانتخابات البرلمانية القادمة سوف تعتمد، لتكملة هزيمة التيار الرجعى، على التكتيكات مجموعة من التكتيكات. أبرزها: أولا: على الاعلام القومى والخاص أن يقوم بدور مهم فى توعية سكان المناطق العشوائية، ويثبت أن هذه التيارات لا تملك حلولا عملية لحل المشاكل المزمنة فى هذه المناطق الفقيرة، وليس فى كل مرة تسلم الجرة، ولنا فى المشاهد التى نراها فى كل من العراق وسوريا وليبيا عبرة. ثانيا: على الأحزاب السياسية ورجال الأعمال والحركات النسائية والشبابية، التوحد فى قوائم ودعم مرشحين أقوياء يؤمنون بالدولة المدنية والوطنية المصرية، وإدراك حساسية المرحلة التاريخية لإنقاذ البلاد من محاولات نشر الفتن وزعزعة الاستقرار السياسى، بمجالس تشريعية تلهى الناس عن إيجاد حلول للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية. فمصر لا تقع وسط المحيط الهادى أو فى اسكندنافيا، بل فى منطقة شديدة الاضطراب، وجميع حدودها تقريبا أصبحت ملتهبة. لهذا يجب ألا نزيد على الاضطراب الاقليمى حاليا اضطرابا تشريعيا داخليا. ثالثا: برامج التنمية ومكافحة الفقر ومحو الامية الثقافية والابجدية والدينية يجب ان تنشط فى العشوائيات التى يسكنها اكثر من 18مليون نسمة ومناطق المقابر التى يسكنها اكثر من مليونى نسمة، لأنها السبيل الرئيسى للقضاء على جزء معتبر من التداعيات السلبية للعشوائيات.