تعيش مصر الآن وضعاً سياسياً ملتبساً، فنحن إزاء مرحلة انتقالية تشهد البدايات الأولى لتأسيس نظام سياسى جديد ، تتمثل هذه البدايات الأولى فى الدستور المعدل سنة 2014 وفى انتخاب عبدالفتاح السيسى رئيساً للجمهورية وبعد شهور قليلة سيتم انتخاب مجلس النواب وتشكل حكومة تحظى بثقته، ومن ثم يمكن عندها طرح رؤية سياسية للنظام الجديد حول كيفية إخراج البلاد من المأزق الراهن وإعلان سياسات عامة محددة لتطبيق هذه الرؤية فى كل مجالات المجتمع . وإلى أن تكتمل مؤسسات وسياسات النظام الجديد سيظل الوضع ملتبساً بالنسبة للموقف من هذا النظام، ولا يمكن القول منذ الآن بوجود معارضة سياسية محددة لهذا النظام، لأن المعارضة تتشكل فى مواجهة سياسات محددة وتطبيقاتها، ولا أحد يعلم الآن ما هى الرؤية السياسية للنظام الجديد، وما هى السياسات التى سيطبقها، وليست لدينا معلومات كافية عن هذه المسائل، وبالتالى فإنه لايمكن القول الآن بوجود أحزاب معارضة أو أحزاب مؤيدة خاصة وأن التأييد والمعارضة لا يرتبطان بشخص معين بل يرتبطان بمصالح القوى الاجتماعية التى يمثلها كل حزب ومدى تطابق سياسات الحكم مع هذه المصالح أو التعارض معها. ذلك أن التعددية الحزبية تنشأ فى المجتمعات الديمقراطية تعبيراً عن تعدد المصالح الطبقية فى كل مجتمع ، فهناك الأحزاب الإشتراكية التى تدافع عن مصالح الطبقات العاملة والكادحة، وهناك الأحزاب الليبرالية التى تدافع عن مصالح الرأسمالية، وقد تنشأ أحزاب يسار الوسط تعبيرا عن مصالح قطاعات من الطبقة الوسطى، بالإضافة إلى أحزاب تحمل رؤي ثفافية معينة مثل الأحزاب الدينية، وهذه الأحزاب جميعاً تحدد موقفها من الحكم على أساس مدى تعارض سياساته أو تطابقها مع مصالح القوى التى تدافع عنها هذه الأحزاب أو تعارضها معها. ومن هنا تتشكل المعارضة السياسية للنظام أو الأحزاب المؤيدة له. ويزداد الوضع تعقيداً فى بلد مثل مصر لم يكن تداول السلطة متاحاً فيه رغم وجود نوع من التعددية الحزبية، وإحتكر الحزب الوطنى الديمقراطى الحكم بصفة دائمة منذ عام 1976 حتى ثورة 25 يناير، ومن هنا فقد بقيت كل الأحزاب الأخرى فى إطار المعارضة بدرجات متفاوته، ولكننا الآن بصدد نظام سياسى جديد ودستور يقوم فيه هذا النظام على التعددية الحزبية وعلى تداول السلطة بين الأحزاب من خلال انتخابات دورية حرة ونزيهه، وهو ما يخلق وضعاً جديداً مختلفاً عما كان قائماً أيام حكم حسنى مبارك ، فقد يتحقق بالفعل مستقبلاً إمكانية تداول السلطة بين الأحزاب. من هذا كله يتأكد أننا فى مصر سوف نشهد خلال الشهور القليلة القادمة تشكل المعارضة فى سياق تبلور سياسات الحكم ورؤيته السياسية لمستقبل البلاد. وسوف تحدد إنتخابات مجلس النواب القادمة الأغلبية البرلمانية والأحزاب التى ستشارك فى تشكيل الحكومة القادمة، وبذلك تتحدد المعارضة والموالاة بشكل حقيقى وعلى أساس موضوعى يتمثل فى الموقف من سياسات الحكم. ولا يمنع هذا أنه توجد بالفعل فى الوضع الحالى والموروث من عهد حسنى مبارك ما يستحق المعارضة، لأن النظام السلطوى مايزال قائماً وأجهزة الدولة لم تتغير، وأسلوب الحكم هو فى الحقيقة إستمرار للسياسات السابقة، وهى تعبر فى الغالب عن مصالح الرأسمالية المصرية الكبيرة، وتعانى من التبعية للرأسمالية العالمية، ولا يوجد حتى الآن ما يشير إلى تغيير جوهرى فى هذه السياسات فى إتجاه السعى لتحقيق مصالح الطبقات العاملة والكادحة. وهى جميعاً أوضاع تستدعى المعارضة ما لم يتم تغييرها بشكل جوهرى، وهذا هو التفسير المنطقى أن العديد من الأحزاب السياسية تعتبر نفسها حتى الآن أحزاباً معارضة، لأن الواقع القائم ما يزال يعبر عن مؤسسات وسياسات الحكم الذى ثار الشعب ضده فى 25 يناير، وما يزال النظام السلطوى قائماً على الرغم من مطالبة الشعب بالتحول الديمقراطى والنص فى الدستور المعدل على إقامة دولة مدنية ديمقراطية، وماتزال التشريعات المكملة للدستور على حالها لم يلحق بها أى تغيير حيث تعانى الأحزاب السياسية والمنظمات الشعبية والنقابات العمالية والجمعيات الأهلية من القيود على تأسيسها وعلى حركتها، نحن بالفعل إزاء وضع ملتبس ماتزال فيه بقايا القديم قائمة ولم تتبلور بعد ملامح الجديد. ولاتزال العديد من الأحزاب السياسية تعتبر نفسها أحزاباً معارضة بحكم رفضها للقديم الذى مايزال قائماً وعدم تبلور الجديد وهو ما يدعو رئيس الجمهورية إلى الإسراع بطرح رؤية سياسية متكاملة وسياسات محددة مصحوبة بقدر كبير من الشفافية حول أوضاع البلاد وما يتصل منها بصفة خاصة بالإقتصاد المصرى. لمزيد من مقالات عبدالغفار شكر