افتقدت مصر منذ أيام قليلة واحداً من أنبل وأشرف رجال المخابرات المصرية الذين عرفوا، ليس فقط بالكفاءة المهنية العالية، والحس الوطني، وروح المسئولية، وإنما أيضاً بسمات خاصة من «النبل « و»الورع» والحس الإنسانى الرفيع والاقبال على خدمة الناس بأريحية وصدق وتجرد قلما تجدها مجتمعة فى شخص واحد. لقد قدم المرحوم اللواء رماح الدكرورى على مدى عهود رئاسية مختلفة صورة مشرفة لرجل الأمن عندما ينتقل للعمل فى الدوائر السياسية برئاسة الجمهورية، وكيف ينجح بأخلاقه وأعماله فى تغيير ملامح الصورة النمطية التى تشيع فى بعض الأحيان عن بعض العاملين فى مثل هذه المواقع. ومن المفارقات المؤلمة أن يأتى رحيل هذا الرجل العظيم فى نفس العام الذى فقدت مصر فيه المرحوم الدكتور أسامة الباز المستشار السياسى لرئيس الجمهورية الأسبق والذى اتسم بنفس صفات الزهد والتجرد والوطنية والحس الإنساني. كان اللواء الدكرورى رحمه الله دقيقاً وأميناً وشجاعاً فى كل ما يرفعه من تقديرات للمواقف الداخلية والخارجية، وكان يحرص على نسبة كل منها الى مصادرها الاصلية بكل موضوعية وتجرد . وكان قبل ذلك وبعده مثالاً فى الانضباط والحرص على التنسيق مع مختلف الادارات والهيئات الوطنية، وكانت تربطه بالعاملين معه روح أبوية وأخوية فريدة الطابع، ومع ذلك لم يكن يؤمن فى حياته داخل أو خارج القصر الجمهورى بالشللية أو المزاحمة بين مراكز القوي. وأما الجانب الإنسانى فى عطائه فهو لا يقل عن الجانب المهني، حيث كان يحرص على تلبية الرجاءات والطلبات التى ترد إليه، خاصة من المواطنين البسطاء الذين يتطلعون إلى تحقيق أحلامهم فى علاج أو مسكن أو حج أو عمرة أو إنصاف وظيفى أو غيره، وكان يوظف علاقاته الانسانية الواسعة فى تحريك هذه الطلبات وإنجازها فى إطار من المشروعية والالتزام الإنسانى والوطني. وكان قبل ذلك وبعده- ودوداً ومجاملاً للناس فى أفراحهم وأتراحهم، ومهما باعدت الظروف والمسافات بينه وبين زملائه واصدقائه كان حريصا على السؤال عنهم والاطمئنان إلى إحوالهم. وكما قيل فى الأثر الشريف «إن لله عباداً اختصهم بقضاء حوائج الناس، حببهم إلى الخير وحبب الخير إليهم«، فإن المغفور له رماح الدكرورى كان بإذن الله واحداً من هؤلاء المحظيين المبشرين «بمقعد صدق عند مليك مقتدر»، « والآمنين من عذاب الله يوم القيامة«. لقد ترك رماح الدكرورى بصمات كبيرة وايجابية فى حياة كل من خالطه وعمل معه، ولكن أكبر وأعظم بصماته التى تركها للوطن هى تكريس الوجه الإنسانى والأخلاقى لرجل الأمن فى بلادنا العزيزة. لمزيد من مقالات السفير/هانى خلاف