لاشك أن نفع قضاء الحوائج متسع ومتعدد، وقد يكون صدقة جارية فى إصلاح طريق أو بناء جسر أو مشفى أو مدرسة، ونبينا (صلى الله عليه وسلم) يقول: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له» ويقول صلى الله عليه وسلم: «إن لله عباداً اختصهم بقضاء حوائج الناس حببهم فى الخير وحبب الخير إليهم إنهم الآمنون من عذاب الله يوم القيامة»، ويقول (صلى الله عليه وسلم): «من أدخل السرور على مسلم كان حقاً على الله عز وجل أن يرضيه يوم القيامة، ويقول (صلى الله عليه وسلم): «من فرج على مسلم كربة فرج الله عنه يوم القيامة»، «ومن كان فى حاجة أخيه كان الله فى حاجته. فهذا كله نفع متعدد أوسع وأرحب من حج النافلة وعمرة النافلة. أمر إنسانى: ولاشك أن الفقير عندما يرى الغنى يسرف فى الحج والعمرة، ولا يمد يد العون لإخوانه الفقراء والمساكين، ولا يسهم فى بناء مجتمعه، قد ينظر إليه نظرة حقد وحسد وضغينة، ويلمس جانبا كبيراً من الأنانية حتى لو كانت فى مجال الطاعة والعبادة، ويرى أن هذا الغنى قد التفت إلى إشباع عواطفه، ولم ينظر إلى المقاصد الفقهية للتشريع نظرة متكاملة، لأن نبينا (صلى الله عليه وسلم) يقول: «والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم». بين الحج النافلة وفروض الكفايات وربما لا يدرك بعض الناس من علم فروض الكفايات سوى صلاة الجنازة، ورد السلام، وتشميت العاطس.. ونحو ذلك. غير أننا نوضح أن فروض الكفايات تشمل إطعام كل جائع، وكساء كل عار، ومداواة كل مريض. كما تشمل القيام بالمصالح الأساسية للمجتمع التى لا تستقر حياة الناس إلا بها، والإسلام علمنا التراحم والتكافل، وقد قال نبينا (صلى الله عليه وسلم): «من كان عنده فضل زاد فليجد به على من لا زاد له، ومن كان عنده فضل ماء فليجد به على من لا ماء له، ومن كان عنده فضل ظهر (أى دابة) فليجد به على من لا ظهر له، وظل (صلى الله عليه وسلم) يعدد أشياء، فقال الراوى: «حتى ظننا أنه لا فضل لأحد فى شىء من كثرة ما ذكر رسول الله «صلى الله عليه وسلم». ولاشك أن الوفاء بهذه الاحتياجات واجب كفائى إذا قام به بعض المسلمون سقط الإثم عن الجميع، وإن لم يقم به أحد أثم الجميع.. والواجب الكفائى مقدم بلا شك على النوافل حتى يُقضى، ثم إنه مسئولية تضامنية بين أبناء المجتمع جميعاً من القادرين على سد الثغرات ورفع الكروب عن الناس والوطن. شكر النعمة وهنا يبرز الدور الوطنى للأغنياء فى خدمة وطنهم، والوفاء بحق النعمة التى منحهم الله إياها، وهذا لا يكون إلا بالشكر، وقد قيل لبشر الحافى إن فلاناً الغنى مالاً كثر صومه وصلاته، فقال: إنه لمسكين، لقد ترك حاله ودخل فى حال غيره، إن واجبه إطعام الطعام وبناء الخيام، فهذا أفضل من تجويعه لنفسه، ومن جمعه للدنيا ومنعه للفقراء. وقد عاب الإمام أبو حامد الغزالى على بعض المتدينين من الأغنياء الذين يحرصون على إنفاق المال فى الحج والعمرة بعد العمرة ولا يوفون بحق الفقراء وأصحاب الحاجات، فربما تركوا جيرانهم جياعاً لاطعام لهم وذهبوا بنفقاتهم الواسعة لإشباع رغباتهم النفسية فى كثرة الحج والعمرة غير فاهمين لمقاصد الإسلام الكبرى»، وروى أن رجلا جاء يودع بشر بن الحارث، وقال: قد عزمت على الحج فتأمرنى بشىء؟ فقال له: كم أعددت للنفقة؟ فقال: ألفى درهم. قال بشر: فأى شىء تبتغى بحجك؟ تزهد أو اشتياقا إلى البيت وابتغاء مرضاة الله؟ قال: ابتغاء مرضاة الله، قال نعم: قال بشر: فإن أصبت مرضاة الله تعالى، وأنت فى منزلك وتنفق ألفى درهم، وتكون على يقين من مرضاة الله تعالى: أتفعل ذلك؟ قال: نعم: قال: أذهب فأعطها عشرة أنفس: مديون يقضى دينه، وفقير يرم شعثه، ومعيل يغنى عياله، ومربى يتيم يفرحه، وإن قوى قلبك تعطيها واحدا فأفعل، فإن إدخالك السرور على قلب المسلم، وإغاثة اللهفان، وكشف الضر، وإعانة الضعيف: أفضل من مائة حجة بعد حجة الإسلاك! قم فأخرجها كما أمرناك، وإلا فقل لنا ما فى قلبك؟ فقال: يا أبا نصر! سفرى أقوى فى قلبى. فتبسم بشر رحمة الله، وأقبل عليه، وقال له: المال إذا جمع من وسخ التجارات والشبهات رفضت النفس أن تقضى به وطرأ، فأظهرت الأعمال الصالحات، وقد آل الله على نفسه ألا يقبل إلا عمل المتقين؟