لم يكن حال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في رمضان كحاله في غيره من الشهور، فقد كان صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله لا يترك وقتًا في هذا الشهر إلا ويملأه بطاعة أو عبادة، لعلمه أن هذه الأيام محدودة من حيث عددها، ولكنها في نفس الوقت غير محدودة في الأجر والثواب، وقد جاء في الحديث القدسي: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به». كان استقبال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لشهر رمضان استقبال المتشوق له، لما فيه من خير وبركة، فكان يدعوا قبيل رمضان أن يبلغه الله الشهر الكريم، ثم ينتظر رؤية هلال رمضان، فلا يصوم حتى يراه، ويقول: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإذا رأى هلال رمضان فرح وأمر بلالًا رضي الله عنه أن يؤذن بدخول شهر رمضان، ثم يدعو فيقول: «اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام ربي وربك الله». ولم يكن صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله مسرفًا في فطره مثل الكثير من الناس في هذا الزمان، فكان يفطر على رطبات، فإن لم يجد فعلى تمرات، فإن لم يجد فحسوات من الماء، وكان كذلك لا يدع السحور ويحث عليه، فيقول: «تسحروا فإن في السحور بركة». وكان صلى الله عليه وآله وسلم لا يترك الدعاء قبل الإفطار، فقد يقول: «اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت، ذهب الظّمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله»، وكان يقول كذلك: «اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي». وعن جود النبي صلى الله عليه وآله وسلم في رمضان، فقد كان كالريح المرسلة ينفق نفقة من لا يخشى الفقر، وكان يفطر الصائم ويرغب في بذلك بقوله: «من فطّر صائمًا كان له من الأجر مثل أجره ولا ينقص من أجر الصائم شيئا». أما معاملته مع أهله فكان عليه الصلاة والسلام وعلى آله يتعاهد أهله ويحسن إليهم في رمضان، بل وكان في مهنة أهله يساعدهم، وكان يوفيهم حقهم من المعاشرة، ولم يكن يعنفهن ولا ينهرهن، بل يدخل السرور في نفوسهم يأكل مما وجد، فإن أحبه أكل منه وإن كرهه لم يأكل من غير أن يعيبه. ولأن رمضان شهر القرآن فقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكثر من قراءة القرآن ويحث صحابته الكرام على ذلك، وكان يتدارسه مع أمين الوحي جبريل عليه السلام.