أثار حكم محكمة مستأنف الامور المستعجلة جدلا حادا بين مؤيد ومعارض لإلغاء حكم اول درجة الذى قضى بحرمان رموز وقيادات الحزب الوطنى" المنحل " من الترشح للإنتخابات البرلمانية القادمة، حيث يرى البعض ضرورة عزل هؤلاء سياسيا وحرمانهم من مباشرة حقوقهم السياسية ،بدعوى إفسادهم للحياة السياسية، بينما يرى آخرون أن الحرمان من مباشرة الحقوق السياسية لابد أن يكون بحكم قضائى وليس هوى أو رغبة اللاعبين على المسرح السياسى، خاصة أن الدستور لم ينص على العزل السياسى. المستشار مجدى الجارحى نائب رئيس مجلس الدولة يقول "بعيدا عن الخلاف السياسى والمصالح الحزبية وتأثيرها فى تلك المواقف ، ودون التعليق على حكم القضاء وهو أمر غير جائز، فأن القارىء الحقيقى لنصوص الدستور والقانون الذى تحكم هذا الموضوع، يدرك جيدا أن صدورمثل هذا الحكم من تلك المحكمة أو المحاكم المختصة " محاكم القضاء الإدارى " بمناسبة نظر المنازعات القضائية بشأن قبول المرشحين أو استبعادهم من الترشح للانتخابات كان قادما لا محالة، لأن النصوص الدستورية والقانونية القائمة تقطع بذلك. الدستور والعزل السياسى ويوضح المستشار الجارحى أنه من الناحية الدستورية فالثابت من مطابقة أحكام نصوص دستور 2014 الحالى أنها خلت من ثمة نص يمنع أو يحظر أو يحول دون أى مواطن وحقه فى مباشرة حقوقه السياسية، ومنها حق الترشح لعضوية مجلس النواب، وذلك بصرف النظر عن انتمائه السياسى أو الحزبى، فلم تتضمن جميع مواد الدستور البالغة 247 مادة ثمة نص يقرر أى نوع من العزل السياسى لأى مواطن، بل على العكس من ذلك فقد نص الدستور فى المادة – 87- منه على أن مشاركة المواطن فى الحياة العامة واجب وطنى، ولكل مواطن حق الانتنخاب والترشح ، وإبداء الرأى فى الإستفتاء ، وينظم القانون مباشرة هذه الحقوق، ويجوز الاعفاء من اداء هذا الواجب فى حالات محددة يبينها القانون ، ويضيف المستشار مجدى الجارحى أن المشرع الدستورى فى ذات النص أكد على أن الدولة تلتزم بادراج أسم كل مواطن بقاعدة بيانات الناخبين دون طلب منه متى توافرت فيه شروط الناخب، وهذا النص الدستورى يعد نتيجة طبيعية لنص سابق بذات الدستور، وهو نص المادة – 53 – الذى قرر أن المواطنين لدى القانون سواء وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، ولا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة.. الخ أو الانتماء السياسى أو الجغرافى أو لأى سبب آخر. العزل فى الدستور السابق ويوضح نائب رئيس مجلس الدولة أن مؤدى ذلك أن المشرع الدستورى لو كان قد أراد تقرير ثمة عزل سياسى لأى طائفة أو أو فئة أو تيار سياسى معين لكان قد نص على ذلك صراحة فى الدستور ،كما فعل فى الدستور السابق الذى ينص صراحة على هذا العزل السياسى فى المادة- 232 – منه ، وهى المادة التى إلغيت بمقتضى نص المادة – 246 – من الدستور الحالى والتى نصت على إلغاء أى نصوص دستورية أو أحكام وردت فى الدستور الصادرعام – 2012- ولم تتناولها الوثيقة الدستورية الحالية، "الدستور الحالى" وذلك منذ تاريخ العمل بهذا الدستور فى يناير 2014، ومفاد ما تقدم أنه لا يوجد عزل سياسى أو إعفاء أو حرمان مؤقت من مباشرة الحقوق السياسية والدستورية، لأى مواطن طبقا لأحكام الدستور. القانون والعزل أما من الناحية القانونية فيشير نائب رئيس مجلس الدولة أن قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم – 45 لسنة 2014 بأصدار قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية نظم فى الفصل الأول منه حق الاقتراع ونص فى المادة -1- منه على أن كل مصرى أو مصرية بلغ ثمانى عشرة سنة ميلادية أن يباشر بنفسه الحقوق السياسية ومنها، إبداء الرأى فى كل استفتاء ينص عليه الدستور، وكذلك انتخاب كل من رئيس الجمهورية واعضاء مجلس النواب وأيضا اعضاء المجالس المحلية ، ويعفى من أداء هذا الواجب ضباط وأفراد القوات المسلحة وكذلك ضباط هيئة الشرطة طوال مدة خدمتهم بالقوات المسلحة والشرطة، ويكون إنتخاب رئيس الجمهورية وأعضاء مجلس النواب واعضاء المجالس المحلية طبقا لاحكام القوانين الخاصة التى تصدر فى هذا الشأن ، وقد نص ذات القانون فى المادة الثانية منه على أن يحرم من مباشرة الحقوق السياسية فئات معينة حددتها تلك المادة على سبيل الحصر وهم " الذين تم الحجر عليهم، والمصابين بأضطرابات نفسية أو عقلية وذلك طوال مدة الحجر عليهم ومدة الإحتجاز الإلزامى بأحدى المنشآت الصحية النفسية طبقا لاحكام القانون رقم – 71 لسنة 2009 - ، وذلك بجانب الفئات الثمانية التى أوردتها ذات المادة " أى الذين تصدر ضدهم احكام قضائية نهائية، وفى هذه الحالات يكون الحرمان السياسى لمدة خمس سنوات من تاريخ صدور الحكم فى أى منها ما لم يكن قد رد للشخص المحكوم عليه إعتباره ، أو أوقف تنفيذ العقوبة بحكم قضائى نهائى حيث ليسرى هذا الحرمان فى هذه الحالة. ويوضح المستشار مجدى الجارحى أن مفاد ذلك أنه لايوجد حرمان من حق الترشح لعضوية مجلس النواب لأى فئة أو طائفة أو تيار سياسى أو حزبى ، وإنما فقط حرمان باحكام قضائية نهائية ، بحسب الأحوال التى قررها القانون ، وذلك بجانب الإعفاء المقرر بشأن ضباط وأفراد القوات المسلحة وهيئة الشرطة ، ومما يؤكد ذلك أن احكام قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم – 46 لسنة 2014 بأصدار قانون مجلس النواب قد خلت بدورها احكامه من ثمة نص يقرر أى نوع من الحرمان من الترشح لأية فئة أو طائفة أو تيار سياسى أو حزبى لعضوية مجلس النواب ، وجاءت أحكامه بشأن شروط الترشح لعضوية مجلس النواب متفقة ومتسقة وأحكام قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية فى هذا الشأن ، ومن ثم فإن حكم محكمة الأمور المستعجلة المشار إليه قرر وعجل بقرار كان آتيا لا محالة طبقا للدستور وأعاد الامور الى نصابها الصحيح .