ربما لم يتوقع أحد أن يؤدى ارتفاع أسعار المنتجات البترولية-المتوقع إلى هذا المشهد من الارتباك، والزحام، والطوابير أمام المحطات، بسبب زيادة الطلب، ونقص المعروض، واتجه المستهلكون إلى سحب الكميات المتوافرة بالمحطات من ناحية، خشية ارتفاع الأسعار أو نقص الكميات خلال الأيام القادمة، بينما انقض سماسرة الأزمات وتجار السوق السوداء لتخزين الكميات المتاحة فى مستودعات أو فى جراكن وبراميل، لطرحها وقت الأزمات بأسعار تفوق أضعاف الأسعار المقررة قانوناً. لم يعد هناك مكان بمنأى عن أزمة الوقود، فقد زادت الطوابير فى القاهرة، والجيزة، والعديد من المحافظات من بينها الغربية والشرقية وسوهاج وأسوان، فنتج عنها زحام مرورى فى الشوارع .. بينما أغلقت بعض المحطات أبوابها بسبب زيادة الطلب، ونقص الكميات المعروضة.. وامتدت طوابير السيارت على الطرق السريعة والفرعية والجانبية، كما تعطلت حركة المروربسبب الطوابير .. وارتفعت تعريفة نقل الركاب بين المحافظات بسبب رفع أسعار الوقود المتوقع.. ولجأ السائقون لشراء كميات إضافية خشية حدوث أزمة حقيقية ، بينما نشط السماسرة بالجراكن فى المحطات للحصول على أكبر كمية ممكنة من البنزين أو السولار ، لتحقيق أكبر قدر من الأرباح. وبشكل عام، فإن قرار الزيادة فى أسعار المواد البترولية والكلام هنا للدكتور إبراهيم زهران خبير الطاقة العالمي- يجب أن يتم فى سرية تامة حتى لا يستغله تجار وسماسرة الأزمات، فى سحب الكميات المطروحة للبيع بالمحطات، وبالتالى تنشط عمليات التخزين السرى بالبراميل والجراكن والمستودعات استثماراً للأزمة، والاستفادة من فارق السعر، مشيراً إلى أن الحكومة تقدر الدعم المقرر للمواد البترولية بنحو 145 مليار جنيه، فى حين لا يتجاوز الرقم الحقيقى لدعم المواد البترولية نحو 21 مليار جنيه، وما عدا ذلك تتم إضافة كل ما يتعلق بتصدير المنتجات البترولية بأرخص الأسعار، واستيرادها بالأسعار العالمية ، ويتم تحميل فارق السعر على الدعم المقرر للمواد البترولية، مشيراً إلى وجود 91 شركة مشتركة لانتاج الوقود، الأمر الذى يستلزم إعادة النظر فى اتفاقيات الانتاج، فضلاً عن أهمية إعادة النظر فى القطاع ككل، وإعادة هيكلته، من خلال قيادات جديدة، وإدارة بفكر متطور حتى لا تسقط فى دوامة الخسائر، كما هو الحال الآن فى العديد من الشركات. سر الأزمة الأزمة هذه المرة الدكتور حسام عرفات رئيس شعبة المواد البترولية بالاتحاد العام للغرف التجارية- نجمت عن أنباء حول رفع أسعار البنزين بمعدل جنيه للتر، وهوما روجت له إحدى الفضائيات وانساقت وراءه بعض الصحف ، التى تناقلت أنباء عن اتجاه الحكومة لرفع سعر البنزين، فنجم عن ذلك زيادة فى الطلب ، ونشطت عمليات التخزين فى صفائح أو براميل وجراكن، ربما للاستفادة من فارق السعرفى حالة ارتفاعه، أو خشية حدوث أزمة فى المنتج نتيجة نقص الكميات، كما شهدت المحطات فى محافظاتالفيوم وبنى سويف والمنيا- وهى محافظات معروفة بتواجد إخوانى كثيف بها- هجوما كاسحا لسحب الكميات المتوافرة فى المحطات، مما نتج عنه نقص الكميات بسبب زيادة الطلب، ومن ثم حدث نقص حاد فى الكميات المطروحة من بنزين 80، كما خلت بعض المحطات من بنزين 92.. وإذا كنا نرى ان الزيادة فى اسعار المواد البترولية واقعة لا محالة، فالمهم هو متى ستزيد الأسعار؟.. وما هى نسبة الزيادة المقررة؟.. وهنا يلزم اتخاذ قرار زيادة الأسعار فى سرية تامة، واختيارالتوقيت المناسب لإعلانها، حتى لا نعطى الفرصة لشلة المنتفعين والسماسرة وتجار الأزمات، والسوق السوداء ، لسحب الكميات الموجودة من المحطات، لتخزينها وطرحها للبيع وقت الأزمات، والاستفادة من فارق السعر. إجراءات متكاملة وإذا كانت هناك نية لرفع أسعار المواد البترولية، فلابد أن تكون الزيادة مناسبة، وأن تتم فى إطار حزمة من الإجراءات، بحيث تحدث مواءمة سعرية بين جميع المنتجات حتى لا ينصرف المستهلك إلى منتج بعينه للاسفادة من فارق السعر بينه وبين المنتجات الأخري، ومن ثم تحدث أزمة فى هذا المنتج أو ذاك بسبب فارق السعر، وهو ما حدث حين تحول بعض المستهلكين إلى استخدام بنزين 80 بدلاً من بنزين 92 توفيراً للنفقات، كما أنه من الضرورى أن تتواكب الزيادة فى أسعار المواد البترولية إن حدثت- مع إعادة النظر فى أسعار الطاقة التى تحصل عليها المصانع كثيفة الاستخدام للطاقة، كما يجب الأخذ فى الاعتبار الزيادة فى الكميات التى تستهلكها الموتوسيكلات والتوك توك، حيث تستنزف هاتان الوسيلتان ما بين 4 ملايين و5 ملايين لتر بنزين يوميا ، من بين 9٫5 مليون لتر هو حجم التقدير الرسمى للكميات التى يتم ضخها للمركبات المرخصة، وهذه الكميات التى تستهلكها الموتوسيكلات والتوك توك لم تضعها الجهات المسئولة فى الاعتبار، فأثرت على الكميات المتوافرة بالمحطات فتسببت فى اختناقات ببعض المحطات، ومن ثم يلزم عند تقدير الكميات المطلوبة الاخذ فى الاعتبار وجود مركبات أخرى غير مرخصة (الموتوسيكلات والتوك توك) تستقطع كميات كبيرة من المواد البترولية، مما يسلتوم تقنين أوضاع هاتين الوسيلتين، وفتح الباب أمام أصحابها للعمل بشكل رسمى وشرعي، وإعادة ترتيب معدلات الاستهلاك أخذا فى الاعتبار الكميات التى تستهلكها هاتان الوسيلتان والتى لا تقل بحال من الأحوال على 4 ملايين لتر يوميا، تجنباً للاختناقات فى سوق المواد البترولية، والتى ينشط خلالها تجارة الازمات وسماسرة السوق السوداء. منظومة الدعم والمؤكد، والكلام هنا للدكتور أيمن جاهين خبير اقتصاديات البترول بالشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية- أن أزمات الوقود لن تجد طريقها للحل إلا بعلاج جذري، وهو ضرورة إعادة النظر فى قضية دعم المنتجات البترولية التى تستحوذ على جانب كبير من الدعم الحكومى ، حيث بلغ دعم المنتجات البترولية فى العام الماضى نحو 120 مليار جنيه ، وهو رقم مرشح للزيادة كل عام بفعل عوامل النمو السكانى و الاقتصادى وأسعار البترول العالمية. و مع ذلك ، فإن أزمة طوابير الوقود مستمرة ، كما أن كميات كبيرة من المنتجات البترولية المدعمة يتم تهريبها سواء داخل البلاد أو خارجها ، بحيث يتم استبعاد القطاع الخاص نهائيا من منظومة التعامل مع المواد البترولية بالنقل, أو التوزيع, فلم يعد من المقبول ترك القطاع الخاص يتلاعب فى سوق المواد البترولية. والأزمة سوف تظل مستمرة, فأبرز اسبابها هو قضية الدعم فى الأساس, وفى ظل الأزمات المتكررة, لم يعد من المقبول استمرار القطاع الخاص فى سوق المواد البترولية ، وعلى الحكومة ان تعمل من الآن على وضع حلول جذرية من بينها رفع الأسعار تدريجيا, والتصدى للسوق السوداء, وسماسرة الأزمات بكل حزم, كما أنه من الضرورى تفعيل منظومة النقل النهري, لتقليل استخدام السولار. {{ أقاطعه: هل ستؤدى الكروت الذكية لتوزيع الوقود إلى وصول الدعم إلى مستحقيه وبالتالى سد منافذ التلاعب والتهريب؟ د. جاهين: العبرة بالنتائج.. فنحن لن نحكم على التجربة قبل تطبيقها، ومتابعة نتائجها على أرض الواقع، لكنى لا أعتقد أنها ستحل الأزمة بشكل جذرى!! زيادة تدريجية وإذا كان الدكتور أيمن جاهين يرى أن رفع الدعم عن المواد البترولية خطوة مهمة لمواجهة تجار الأزمات وأصحاب المحطات، فالمهم - فى رأيه - هو اختيار التوقيت المناسب لاتخاذ قرار زيادة الأسعار، متخوفاً من انعكاسات قرار زيادة أسعار المنتجات البترولية على منظومة نقل الركاب والبضائع، وكل السلع والخدمات، ومن ثم يجب أن تتم زيادة الأسعار فى إطار رؤية لرفع الدعم خلال 5 سنوات - على سبيل المثال- ووفق برنامج محدد، فليس من المعقول تحريك السعر بمقدار جنيه لكل لتر مرة واحدة، وبالتالى يجب أن تتم الزيادة فى الأسعار بشكل تدريجي، كما يجب إعادة النظر فى أسعار الغاز والمواد البترولية للمصانع الكثيفة الاستخدام للطاقة. أزمات متكررة وبشكل عام، فإن الأزمة تظهر ثم تختفى بين الحين والآخر- كما يقول د. عبد النبى عبد المطلب الخبير الاقتصادى - بسبب نقص الكميات التى تصل إلى محطات البنزين, وزيادة الطلب بسبب المخاوف من استمرار الأزمة ونقص الكميات، مما يوجد حالة من التكالب على المحطات, فيحصل المستهلكون على كميات إضافية تفوق احتياجاتهم الفعلية فى جراكن بالقوة مستغلين الأزمات ، وضعف الرقابة ، مما أدى إلى انتعاش السوق السوداء لتجارة البنزين والسولار ، فضلا عن عمليات التهريب عبر الانفاق والموانئ، وإن كانت قد هدأت حدتها خلال الفترة الماضية، ناهيك عما يتسرب من هذه الكميات من البنزين والسولار المدعم للخارج ، أو للسوق السوداء، الأمر الذى يستلزم ضرورة تكثيف الحملات التفتيشية والرقابية على المحطات لمواجهة عمليات التلاعب فى المحطات، وتكثيف الرقابة على الأسواق، والموانئ، والمنافذ الحدودية.. وقد حان الوقت لإعادة النظر فى أسلوب ادارة وتوزيع ودعم الطاقة، خاصة انها لم تعد متوافرة كما كانت من قبل، حيث تشير بيانات الإنفاق فى الموازنة العامة الى ان دعم الطاقة وحده يلتهم مايقرب من خمس قيمة الموازنة ، ثم ارتفع الى 145 مليار جنيه فى موازنة عام 2013/2014، الأمر الذى يستلزم إعادة النظر فى منظومة الدعم، وكذلك مراجعة أسعار الطاقة التى تحصل عليها المصانع كثيفة الاستخدام للطاقة، فليس من المقبول أن تحصل هذه المصانع عل الطاقة المدعومة بينما تبيع منتجاتها بالأسعار العالمية وتحقق من وراء ذلك أرباحاً طائلة. ضغوط على الوكلاء الأزمة - كما يراها وكيل إحدى شركات البترول فى منطقة شمال الصعيد- تتمثل فى نقص حاد فى بنزين 80 منذ نحو 3 أسابيع ، مؤكداً أن شركتين شهيرتين فى سوق المواد البترولية تمارسان ضغوطاً على الوكلاء لشراء الزيوت، فإذا امتنع الوكيل عن طلب الزيوت ،يتم تقليل الكميات التى يحصل عليها الوكيل من بنزين 80، وهو ما أدى إلى إيجاد أزمة فى العديد من المحطات بسبب زيادة الطلب ونقص المعروض، وهو ما عانيناه منه كثيرا نتيجة زيادة الطلب ونقص المعروض ، حيث نتسلم نحو 9 آلاف لتر بنزين يوميا، وهذه الكمية لا تكفى المستهلكين، فينشأ عن ذلك طوابير فى الشوارع حتى نفاد الكميات الموجودة، ثم ننتظر حتى مجئ كميات أخرى فى الأيام التالية. وإزاء هذه الأزمات، والكلام مازال ل وكيل إحدى شركات البترول فى منطقة شمال الصعيد- لابد من رفع الدعم، فقد أصبحت المياه أغلى من البنزين، ولكن لابد أن يتم ذلك فى إطار خطة أو رؤية محددة وواضحة ،ويعود بالذاكرة إلى عام 1989، حين أعلن الرئيس الأسبق حسنى مبارك الاتجاه لزيادة أسعار المواد البترولية على مدى 3 سنوات، من عام 1989 وحتى عام 1992 ، فتحركت أسعار بنزين 80 من 40 قرشاً للتر حتى وصلت إلى 90 قرشاً، كما ارتفع سعر اللتر من السولار من 10 قروش إلى 20 قرشاً ثم 30 قرشاً حتى وصل سعر لتر السولار إلى 40 قرشاً، مؤكداً أن تطبيق العمل بنظام الكروت الذكية سيقضى على السماسرة وتجار الأزمات، ويضمن وصول الدعم إلى مستحقيه، لكنه سوف يتسبب فى أزمات عديدة لأصحاب المحطات، ويحملهم بأعباء أخرى منها زيادة التكدس بالمحطات، وأعباء تكاليف العمالة اللازمة للتعامل مع منظومة الكروت الذكية والتى سيتحملها أصحاب المحطات.