تدرك واشنطن فى تعاملها مع رئيس مصر الجديد عبد الفتاح السيسى ومع بدء «الجمهورية الثالثة» بخياراتها وأولوياتها وتحدياتها أنها تتعامل مع مصر الجديدة وأن على الادارة الأمريكية أن تتفهم ذلك وبالتالى فهى تتعاون وتشارك وتعمل مع هذا الواقع الجديد بمعطياته ومتطلباته. ولا شك أنه خلال الأيام والأسابيع المقبلة سوف تتضح الرؤية أكثر فيما يخص رغبة واشنطن واستعدادها وقدرتها أيضا على حماية وتعزيز شراكتها الاستراتيجية مع مصر والوقوف معها فى مواجهة الإرهاب وفى تحقيق الاستقرار فى المرحلة القادمة. كان البيت الأبيض قد أصدر بيانا عقب اعلان نتائج الانتخابات الرئاسية ذكر فيه أن واشنطن تتطلع للعمل مع الرئيس المصرى الجديد عبدالفتاح السيسى لتعزيز الشراكة الاستراتيجية ومصالح كثيرة مشتركة بين الولاياتالمتحدة ومصر. الا أن البيان نفسه عكس أيضا قلق الإدارة تجاه ما سمته ب «المناخ السياسى» فى مصر بشكل عام وما فيه من تقييد للحريات والحقوق حسب وصفه. ولاحظ المراقبون حينئذ أن بيان البيت الأبيض لم يتضمن كلمات «تهنئة» أو «ترحيب» بالرئيس الجديد أو الانتخابات التى جرت. وهو ما أثار بالتأكيد التساؤلات والانتقادات حول موقف الادارة الأمريكية من الرئيس المصرى الجديد. من جهتها، حرصت الخارجية الأمريكية على التأكيد من جديد أن استئناف المساعدات العسكرية لمصر لم يتم حسمه بعد ومازال قيد التشاور مع الكونجرس. وأثير من جديد ملف ال «آباتشي» وعدم ارسال 10 طائرات هليكوبتر من هذا الطراز لمصر حسبما أعلن من قبل. وذكر مسئول بالخارجية أن طائرات الهليكوبتر من طراز «آباتشي» (المخصصة لارسالها لمصر) موجودة حاليا بمخزن فى قاعدة فورت هوود بتكساس. مضيفا أن الإدارة تقوم فى الوقت الحالى باتخاذ قرارات بشأن مساعداتنا لمصر بالتشاور مع الكونجرس. ونحن نعمل من أجل تحديد موعد ارسال الآباتشي. تأخر إرسال هذه الصفقة شد انتباه المراقبين وأثار انتباههم وتساءلوا بالطبع عن دلالة هذا التأخير أو الارجاء خاصة أن القرار الخاص بارسال 10 طائرات «آباتشي» قد تم اتخاذه يوم 23 من شهر أبريل الماضى. وقد ذكر وقتها أن الهدف من اتخاذ هذا القرار هو حاجة مصر الملحة لها لمواجهة الإرهاب والإرهابيين فى سيناء. وقد تعالت أصوات بالكونجرس ترى أهمية وضرورة الوقوف مع مصر فى هذه المرحلة الحرجة. وقد طالبت كاى جرانجر رئيسة لجنة الاعتمادات الخارجية بمجلس النواب أخيرا بضرورة تعزيز الشراكة الاستراتيجية القائمة بين مصر وأمريكا. وأشارت جرانجر فى مقال نشرته صحيفة «رول كول» المعنية بشئون الكونجرس مع اقتراب موعد اجراء الانتخابات الى أن الانتخابات الرئاسية فى مصر تعد لحظة تاريخية للشعب المصرى وخطوة مهمة فى الطريق الذى بدأ السير فيه منذ أكثر من ثلاث سنوات عندما توجه الملايين الى الشوارع للمطالبة بالتغيير، كما ذكرت أن الانتخابات تمنح الحكومة الأمريكية "فرصة لكى تنخرط من جديد وبشكل كامل مع هذا الشريك الاستراتيجى المهم. ولم تتردد القيادية الجمهورية فى انتقاد موقف الادارة بعد 30 يونيو اذ قالت: رد الادارة الأمريكية على الأحداث التى بدأت فى مصر فى 30 يونيو 2013 أرسل اشارات متضاربة للشعب المصرى ولحلفائنا فى المنطقة. كما حرصت جرانجر على القول: لا أنظر للأحداث فى مصر من خلال نظارة وردية. مضيفة: إننى أقوم بتقييم علاقتنا مع مصر من خلال هذه الشروط الواضحة. هل هذه العلاقة تعزز من أمننا القومى؟ وهل مصر تعد شريكة حسنة النية للسلام مع اسرائيل؟ وهل هذه العلاقة سوف تسهم فى استقرار الشرق الأوسط؟ والاجابة لهذه الأسئلة الثلاثة حتى فى هذا الوقت من الانتقال الصعب هى «نعم». وذكرت النائبة أيضا: أن العلاقة الأمريكية المصرية بنيت على أساس قوى من المصالح المشتركة. وهذا الأساس عانى عاما مضطربا. والآن هو الوقت لاعادة التركيز على مجموعة متكاملة من أهداف سياسات ممكن تحقيقها. وأن يعترف قادتنا وقادة مصر بأننا يجب أن نعمل معا. وأن المخاطر كبيرة بحيث لا يمكن أن نفعل أقل من ذلك. وجدير بالذكر أن النائبة جرانجر من الأصوات المطالبة بشدة بضرورة ارسال طائرات هليكوبتر آباتشى لمصر فى اطار المساهمة والمشاركة لحربها ضد الارهاب. ولا شك أن ما قرأناه فى الصحف الأمريكية الكبرى فى الأسبوعين الماضيين وما شاهدناه فى القنوات التليفزيونية الأمريكية خلال متابعتها وتحليلها السياسى عكس تخبطها الواضح وانحيازها الصارخ برؤية كل ما هو سلبى واستمرار تحذيراتها من عواقب الاجراءات الأمنية وتبعاتها وأيضا لى حقائق وتطويع مصادر وما شابه ذلك فى تغطية المشهد المصرى. والقضية المطروحة أمام أصحاب القرار فى مصر كانت ولاتزال هى كيفية التعامل معها دون تهويل أو تهوين مما ينشر ودون القفز بالطبع الى استنتاجات عامة والأمر الأهم هو استمرار التواصل مع الاعلام الأمريكى وغيره .. مهما كانت صعوبة المهمة ومشقة تصحيح المفاهيم! وقد قامت السفارة المصرية بواشنطن أخيرا بتوجيه رسالة الى «واشنطن بوست» بهذا الصدد لم تقم بنشرها الصحيفة الأمريكية. كما قامت رئاسة الجمهورية بالرد على صحيفة «نيويورك تايمز» وانتقاد تغطيتها للانتخابات الرئاسية فى مصر واكتفت الصحيفة بنشر الرد فى موقعها الالكترونى! ومع بدء عهد جديد فى مصر تتابع واشنطن وتراقب وتترقب كيف ستختار مصر وتقرر مساراتها وأولوياتها وتحدياتها وسبل مواجهتها فى المرحلة المقبلة. وتترقب واشنطن الشهور الأولى من حكم الرئيس المصرى الجديد وكيفية تعامله ومعالجته للملفات السياسية والاقتصادية الحيوية والملحة. كما أنها تتابع استعداد الرئيس السيسى ورغبته وقدرته على تشكيل المشهد السياسى وخلقه أيضا المناخ السياسى الشامل والجامع لكل الأطياف.