الأيام المقبلة تشهد نقاشات حول ملفات العلاقة الأمريكية المصرية وملف المساعدات بشكل خاص واشنطن أعلنت أنها تتطلع للعمل مع الرئيس المصرى الجديد عبد الفتاح السيسى لتعزيز الشراكة الاستراتيجية ومصالح كثيرة مشتركة بين الولاياتالمتحدة ومصر. وذكر بيان صادر عن البيت الأبيض هذا الموقف، مشيرا إلى أن الرئيس أوباما الذى يزور أوروبا حاليا ينوى التحدث إلى الرئيس المنتخب الجديد خلال الأيام المقبلة. إلا أن البيان نفسه عكس أيضا قلق الإدارة تجاه المناخ السياسى فى مصر بشكل عام، وما فيه من تقييد للحريات والحقوق، حسب وصفه.
من جهتها حرصت الخارجية الأمريكية على تكرار ما جاء فى بيان البيت الأبيض حول الشراكة الاستراتيجية وتطلع واشنطن للعمل مع الرئيس السيسى. كما أنها أكدت من جديد أن استئناف المساعدات لمصر «ما زال قيد التشاور مع الكونجرس»، و«لم يتم حسمه بعد». وقالت إنها ستشارك فى حفل تنصيب الرئيس إلا أنها لم تحدد اسم المسؤول الأمريكى المشارك. ومن المرجح أن يكون القائم بالأعمال مارك سيفرز ممثل أمريكا فى هذا الاحتفال المصرى.
وبما أن ملف ال«آباتشى» وإرسال 10 طائرات هليكوبتر منها لمصر أثير من جديد، لأن هذه الصفقة لم ترسل بعد إلى القاهرة، فقد طرحت «التحرير» السؤال فى الإيجاز الصحفى اليومى للخارجية، ولم يتم الرد عليه فى حينه. إلا أن مسؤولا بالخارجية، فضل عدم ذكر اسمه، قال ل«التحرير» فى ما بعد إن طائرات الهليكوبتر من طراز «آباتشى» (المخصصة لإرسالها إلى مصر) موجودة حاليا بمخزن فى قاعدة فورت هوود بتكساس. مضيفا أن الإدارة تقوم فى الوقت الحالى «باتخاذ قرارات بشأن مساعداتنا لمصر بالتشاور مع الكونجرس». و«نحن نعمل من أجل تحديد موعد إرسال الآباتشى». تأخر إرسال الصفقة كان ملفتا لانتباه المراقبين ومحاولة فهمهم دلالة هذا التأخير أو التأجيل، خصوصا أن القرار قد تم اتخاذه يوم 23 من شهر أبريل الماضى.
وتطرقت مارى هارف، نائبة المتحدثة باسم الخارجية، بشكل عابر إلى ملف المساعدات لمصر، واحتمالات استئنافها الآن، مكتفية بالقول إن التشاور ما زال قائما مع الكونجرس، والأمر جار البحث فيه. ومن المنتظر أن تشهد الأيام المقبلة نقاشات وتشاورات حول ملفات العلاقة الأمريكية المصرية بشكل عام، وملف المساعدات بشكل خاص. هارف أيضا لم ترد على السؤال الخاص حول دعوة الرئيس المصرى الجديد السيسى لحضور القمة الأمريكية الإفريقية فى شهر أغسطس القادم.
وقد ذكر البيان الصادر عن البيت الأبيض أنه بناء على ما تم ذكره من جانب المراقبين المحليين والدوليين للانتخابات المصرية: «فإن اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية أدارت الانتخابات بمهنية، وبما يتماشى مع القوانين المصرية. ويسرنا أن تم السماح للمنظمات الدولية بالمشاركة كمراقبين، ونلاحظ أن عملية الاقتراع جرت بطريقة هادئة وسلمية»، وذكر المتحدث باسم البيت الأبيض فى بيانه أيضا: «كما أننا نشاطر المخاوف التى رفعتها مجموعات المراقبين حول المناخ السياسى المقيد الذى جرت فيه الانتخابات. ونحن عبرنا باستمرار عن قلقنا حول القيود على حرية التظاهر والاجتماع والتعبير بطريقة سلمية ودعونا الحكومة إلى ضمان كل هذه الحريات، إضافة إلى حق الإجراءات القانونية الواجبة لكل المصريين. وإذ تتطلع مصر لانتخابات برلمانية فى وقت لاحق هذا العام فإننا نحث الحكومة على النظر فى توصيات المجموعات المراقبة حول سبل تحسين إدارة الانتخابات فى المستقبل».
وتضمن البيان أيضا التالى: «بينما الانتخابات تعد مكونا مكملا لمجتمع ديمقراطى فإن الديمقراطية الحقيقية تبنى على أساس من حكم القانون والحريات المدنية والنقاش السياسى المفتوح. فإننا نحث الرئيس المنتخب والحكومة على تبنى الإصلاحات المطلوبة لإدارة حكم تتسم بالمحاسبة والشفافية وتضمن العدالة لكل فرد، وتظهر التزاما تجاه حماية الحقوق العالمية لكل المصريين»، واختتم البيان بالقول: «إن مصر وشعبها أوضحوا مطالبهم فى الكرامة والعدالة وإتاحة الفرصة السياسية والاقتصادية. وإن الولاياتالمتحدة تدعم بالكامل التطلعات الديمقراطية للشعب المصرى، وسوف نقف معهم، وهم يسعون للمستقبل الجدير بهم».
ولا شك أن التعامل الإعلامى الأمريكى بالانتخابات الرئاسية لم يعكس الصورة الشاملة بكل أبعادها، بل «هولت» من بعض الأشياء، و«هونت» من بعض الأمور، أو فلنقل «شوهت» الصورة بشكل عام. وسوف يظل الهم الأكبر بالنسبة للمهمومين بالشأن المصرى هو مستقبل مصر فى عهد الرئيس الجديد، وكيف ستسير الأمور؟ وإلى أين ستمضى مصر؟ إن الدستور المصرى الجديد فى رأى هؤلاء يتضمن الحقوق والحريات والمبادئ الأساسية والمعايير الإنسانية الضرورية لإقامة دولة مدنية حديثة وناهضة، وبالتالى المنتظر فى المرحلة التشريعية المقبلة ترجمة كل هذه المعانى والمبادئ إلى قوانين تدير وتحكم الحياة اليومية للمواطن المصرى. وبالتأكيد الأيام والأسابيع القادمة تتطلب جهودا مكثفة فى تعاملنا الدبلوماسى والإعلامى مع دول العالم لبيان ما تنوى مصر أن تفعله، وما الطريق الذى تريد مصر أن تختاره وتسلكه سياسيا واقتصاديا.
والعلاقات الأمريكية المصرية تقف فى الوقت الحالى بلا شك أمام منعطف جديد يسميه البعض «صفحة جديدة». واشنطن عليها أن تتعامل مع «الجمهورية الثالثة» آخذة فى الاعتبار العلاقة الاستراتيجية الممتدة بين البلدين، خصوصا فى ما يتعلق بمواجهة الإرهاب وتحقيق الأمن فى المنطقة. ولا شك أن الانتخابات الرئاسية كانت خطوة أخرى على الطريق، وأن المرتقب والمنتظر هو الانتخابات البرلمانية المقبلة، وكيف سيتشكل المشهد السياسى المصرى فى الشهور القادمة، وكيف ستواجه الحكومة الجديدة التى سيتم تشكيلها قريبا التحديات الاقتصادية والمعيشية للمصريين. إن الخروج من عدم الاستقرار ضرورة حيوية وهامة لمصر وللمنطقة، ومن ثم تبذل الجهود وتتطلع الدول للتعاون مع مصر من أجل اجتياز المرحلة العصيبة الحالية فى أقرب وقت ممكن.