فى أواخر مايو الماضى إحتشد المصريون وإصطفوا أمام صناديق الإنتخاب للإدلاء بأصواتهم فى إختيار أول رئيس للجمهورية الثالثة، وهو فى الوقت ذاته الرئيس السابع فى تاريخ الجمهوريات المصرية.. والمصريون هنا يتطلعون إلى زعيم وطنى صادق وشفاف؛ همام ومقدام يقتحم الصعاب ويتحدى التحديات؛ رجل الأقدار؛ يمتلك عزة القائد وجسارة المحارب؛ يرفض الهزيمة ولا يقبل الفشل ولا يعمل بمنطق التجربة والخطأ . فالمصريون لن يقبلوا فشلاً بعد ضياع؛ يمسك بخيوط النسيج الوطنى وقادر على توحيد المصريين وجدير بثقتهم ويعلى إرادتهم ويعظم مصالح الوطن والأمة؛ ينصاع للدستور والقانون؛ يحترم السلطات، ويمتلك مقومات «رجل الدولة» القادر على إكتساب ثقة من يتعاملون معه هنا فى مصر وخارجها.. تلك فى مجملها مكونات أساسية فى نسيج »الزعامة« وصناعة «الزعيم»، وتؤسس، فى الوقت ذاته، لمبادئ وقيم وسلوكيات الحكم الرشيد .. ما هى إذن الأولويات التى تفرض نفسها على القادم إلى قصر الاتحادية وتلبى تطلعات «وطن فى خطر» إستدعاه فى مهمة إنقاذ ثم بناء فإنطلاق إلى مصر جديدة؟ أولاً: مواجهة كل ما ومن يهدد الأمن القومى ويزعزع السلام الإجتماعي، وتأكيد هيبة الدولة. ويتطلب ذلك تصفية الإرهاب وتجفيف منابعه بكل حسم وبلا هوادة.. وفى هذا السياق تتقزم الحقوق التى توفرها الدساتير والقوانين وتنص عليها وتتطلبها المواثيق أمام متطلبات وإعتبارات تحقيق هذا الهدف الذى يشكل القاعدة الذهبية والمنطلق للوصول إلى نجاحات مؤكدة فى الأولويات الأخري. حقيقة الأمر أننا أمام نوعين من الإرهاب يتعين مواجهة كل منهما بما يتناسب معه من أدوات وآليات: إرهاب منظمات تنفرد به جماعة الإخوان المتأسلمين منذ أربعينيات القرن الماضي، مارسته وتمارسه من خلال تنظيماتها وميليشياتها السرية وفصائلها والحركات المنبثقة عنها والمرتبطة بها، على تعدد وإختلاف مسمياتها.. و«إرهاب الدولة» الذى تمارسه دول بعينها تساند تلك المنظمات الإرهابية فى تحول جوهرى صريح فى سياستها تجاه تلك الظاهرة من «المواجهة» إلى «الإحتواء». كما يأخذ «إرهاب الدولة» صوراً أخرى مثل المقاطعة، الكلية أو الجزئية، أو تجميد المساعدات أو تقليصها أو إلغائها أو إتخاذ مواقف معادية للدولة، أو الدول، التى تواجه الإرهاب وتعانى من ويلاته متزرعة فى ذلك وملتحفة بعباءات مزيفة ومعايير مزدوجة مثل «الديمقراطية وحقوق الإنسان»..! ثانياً: وضع رؤية شاملة جامعة متوافق عليها تعززها أهداف إستراتيجية وخطط وبرامج مقرونة بإجراءات وتوقيتات محددة للتعامل مع الحالة المصرية بكل أبعادها، نخص منها: إعادة الحياة إلى شرايين الإقتصاد وتنشيطه فى القطاعات كافة، بما فى ذلك تحديد عدد من المشروعات القومية الكبرى الجاذبة للإستثمارات والتى تعظم إستخدام الموارد وتمتص القدر الأكبر من البطالة وتعلى معدل النمو وتحقق التنمية المستدامة . وبناء دولة القانون ويتطلب ذلك إجراء مراجعة شاملة لترسانة القوانين وتحديثها لإزالة التداخل والإزدواجية والتعارض ولتحقيق تطابقها مع أحكام دستور 2014. كما يشمل تفعيل القوانين وتأكيد سيادتها بغير تمييز والعمل على معالجة البطء فى إجراءات التقاضى وسرعة تنفيذ الأحكام والقضاء على الفساد وتجفيف منابعه. كذلك التصدى لأعراض الظلم الإجتماعى من فقر وأمية وبطالة وتدن فى الأجور والمعاشات نحو تحقيق قفزة نوعية فى إتجاه تحسين حياة قاعدة عريضة من المواطنين خلال عامين على أكثر تقدير. وإتخاذ كل الإجراءات وإتباع كل السبل التى تحقق الأمن المائى لمصر من خلال تعظيم إستخدام الآليات والأدوات الناعمة والإصرار على الإقتسام العادل لمياه النيل على قاعدة «لا ضرر ولا ضرار». ووضع خطة شاملة لتطوير التعليم والبحث العلمى وتحديث منظوماتهما، وإعداد وتطوير الموارد البشرية، وفق المعايير الدولية المعتبرة للجودة والإعتماد، وعلى نحو يربط ذلك بمتطلبات خطط التنمية فى القطاعات كافة والإحتياجات التنافسية لأسواق العمل المحلية منها والمستهدفة خارجياً، ويحقق نقله نوعية فى صناعة التكنولوجيا المتقدمة ويواكبها مروراً بمرحلتى النقل والتطويع، ويزيد من القيمة المضافة للإنسان المصري. علاوة على وضع خطة شاملة للإرتقاء بالخدمات الصحية وتوفير الرعاية الإنسانية المتساوية للجميع وتحديث منظومتها وفق معايير متقدمة للجودة والإعتماد. وتوفير الأمن الغذائى والتوسع فى الرقعة الزراعية فى إتجاه مضاعفتها بالتمدد شرقاً وغرباً وجنوباً. من الضرورى إجراء مراجعة شاملة للسياسة الخارجية المصرية فى إطار، رؤية وأهداف إستراتيجية للدولة المصرية فى محيطها العربى والإفريقى والإقليمى والدولى عموماً. وثوابت ومنطلقات إستراتيجية لا تتغير بإختلاف الشخوص أو تداول الأنظمة. ومراجعة العلاقات المصرية العربية والإقليمية والدولية فى ضوء السياسات والمواقف التى تكشفت فيما بعد ثورتى الخامس والعشرين من يناير 2011، والثلاثين من يونيو 2013، وتداعياتهما خلال السنوات الثلاث الأخيرة. وطن فى خطر بايع زعيما هذه مواصفاته، وتلك حيثيات تأهيله، مقرونة بتوصيف للتحديات التى تواجهه، ودليل عمل بأولويات المصريين وتطلعاتهم وآمالهم المعقودة على «الزعيم» فى مستقبل أفضل.. لمزيد من مقالات د.عبد الحافظ الكردى