«رجب طيب اردوغان سيكون رئيسا لتركيا حتي 2023 ، وسنعدل الدستور لإضافة صلاحيات للمنصب ، فالرجل لا يريد ان يكون رمزا شرفيا بل رئيسا فعليا » هذا ما قاله السبت الفائت ، محمد علي شاهين رئيس البرلمان السابق والقيادي البارز بالحزب الحاكم. اللافت أن شاهين الذي ظهرت عليه علامات النشوة وهو يزف الخبر للرأي العام بالبلاد لا يدانيه شك في أن اردوغان هو الرئيس الثاني عشر، المثير أنه بالتزامن مع هذا الإعلان كانت إسطنبول ومعها العاصمة أنقرة وبقية المدن الكبيرة تموج بتظاهرات عارمة ضد الحكومة وكل رموزها بلا استثناء. ليس ذلك فحسب بل إن الغضب امتد إلي ماوراء البحار وتحديدا الولاياتالمتحدةالأمريكية حيث استقبل الطلاب الاتراك في جامعة هارفارد ، الرئيس الحالي عبد الله جول وحرمه السيدة خير النساء ، بعاصفة من الانتقادات والشعارات القاسية أفسدت عليه فرحة الاحتفاء بنجله في حفل تخرجه. أذن الطريق أبدا ليس ممهدا أمام اردوغان ، بيد أنه وفي إطار استعداده للماراثون الرئاسي المفترض أن يجري في العاشر من أغسطس القادم ، كان يعد العدة لغزو القارة العجوز والالتحام بأبناء وطنه المقيمين في عدد من دولها وهي المانيا وهولندا وفرنسا ، إلا أنه آثر السلامة علي ما يبدو ، وأعاد النظر في مجمل مخططه بعد ظهور بوادر غير مشجعة ، فبدايته بمدينة كولين الالمانية ، حيث الجالية التركية الأكبر خارج الاناضول كانت محبطة حتي لو أنكر ذلك ، فقد تظاهر ضده الالاف من الالمان والاتراك علي السواء محملين حكومته الفاسدة مسئولية مقتل 301 من عمال منجم سوما بمنطقة ايجه في الكارثة التي وقعت قبل اربعة أسابيع. وعكس ما تروجه بطانته ووفقا لما ذكرته صحيفة حريت ، يعيش رئيس الحكومة اردوغان بحالة مزاجية ليست علي ما يرام يغذيها القلق والتوجس ، فالخارج ( الاوروبي والأمريكي) متنمر لا يكف عن انتقاده ، فنادرا ما يمر يوم إلا ويطالع مستشاروه الإعلاميون دورية هنا وهناك وقد حوت تقريرا أو مقالا ، تمحورا حول فضاء تركيا الغائم في ظل العدالة والتنمية ، وغالبا السلبيات تتصدرهما ، أما عن الشبكات الفضائية فلا تختلف كثيرا بل العكس لديها من المساحات التي خصصتها لفضح ديتكاتوريته. وبالنظر للداخل ورغم محاولات الهائلة التي تبذلها البلدايات التابعة للحزب الحاكم من حشد الناس علي الخروج لاستقبال الزعيم في الساحات إلا ان الهوة بينه وبين خصومه في إتساع مروع فالايام المنصرمة شهدت إجتماعات مكثفة وتحالفات بين قوي المعارضة وقد إتحدت جميعها علي «لا» لاردوغان رئيسا. في السياق ذاته تتجه الانظار الي اللقاء المحتمل بين زعيمي الشعب الجمهوري كمال كلجدار اوغلو ودولت بهتشلي ، في محاولة للاتفاق علي اسم المرشح لرئاسة الجمهورية، خاصة بعد تأكيد كليهما ان نتائج الانتخابات المحلية للحزب الحاكم لا يمكن ان تنظفه وتبرئه من مزاعم قضية الفساد والرشاوي التي طالت اربع وزراء فى حكومته. وفي عبارات شديدة الصرامة والقسوة قالت امينة اولكر ترهان نائبة رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الشعب الجمهوري سابقا ان رئيس الوزراء اردوغان يتشبث بالسلطة من خلال استخدام القوة المفرطة ضد المواطنين مؤكدة أنه لا يمكن ان يغطي تورطه بقضية الفساد والرشاوي من خلال خطب النصر بالانتخابات المحلية التي جرت بتاريخ 30 مارس الماضي . واضافت «ترهان» قائلة إن رئيس الوزراء لم تدمع عيناه عندما فقدت تركيا ابناءها بمنجم سوما ولم يهتز لقتل الاطفال والشباب ولكنه بكي لعدة مرات علي المواطنة المصرية اسماء (ابنة الأخواني الدكتور محمد البلتاجي التي قتلت في فض إعتصام رابعة ) ، وفي الحقيقة هو لم يذرف الدمع عليها لانه بدون قلب ورحمة ، فقط يبكي مصلحته الخاصة ومصلحة حزبه. ولتضييق الخناق وإحكام الحصار عقد كمال كيلتش دار أوغلو عدة لقاءات مع منظمات المجتمع المدني علي رأسها اتحاد نقابات العمال واتحاد نقابات المحامي واتحاد الغرف والبورصات وعدد اخر من المؤسسات الفكرية. ولأنها هي الحاضر الغائب لازالت فجيعة منجم » سوما » تضغط بشدة علي رقبة الحكومة ورئيسها ، وفي خطوة رمزية يعتزم حزب الشعوب الديمقراطية الكردي التقدم للبرلمان بطلب لحجب الثقة عن رئيس الوزراء اردوغان ووزير الطاقة تانر يلديز ووزير العمل والضمان الاجتماعي فاروق شليك لمسئولبتهم المباشرة عن هذه المأساة التي ادمت قلوب الأتراك ولازالت تداعياتها مستمرة ولا ينتظر أن تنتهي خلال المستقبل المنظور . ويوما بعد آخر تظهر إلي العلن دلائل جديدة للإهمال الحكومي شيئا فشيئا فقد أوضحت غرفة مهندسي المعادن أنها أعدت قبل اربع سنوات تقريرا مفصلا حول المنجم ، ضمنته كافة السلبيات والنواقص به وأرسلت نسخة منه لوزارة الطاقة والموارد الطبيعية، مطالبة بإيقاف العمل والإنتاح به حتي التحقق مما ورد في التقرير وأشارت الغرفة إلي أن مناجم بلدة سوما تحديدا تحتوي علي نسبة عالية من غاز الميثان، وبالتالي فهي خطرة جدًّا ولا تحتمل أدني خطأ مؤكدة إنها سبق وحذرت الحكومة من قلة الخبرات والتجارب بين العمال بسوما، لافتة إلي أنها طالبت بتصريف الميثان الموجود بداخلها قبل عمليات الانتاج، وزاد « محمد طورون » ، رئيس اتحاد غرف مهندسي المعادن علي ذلك مبينا » أنه تم إرسال التقرير إلي رئاسة الجمهورية ومؤسسات الرقابة في الدولة، وإلي البرلمان للاطّلاع عليه ، لكن للأسف لم يعره أحد الاهتمام ، وتم التعامل معه باللامبالاة، ، وفي جملة بالغة الدلالة تعليقا علي إهمال الحكومة قال » ليتها أصغت إلينا وليتنا كنا خاطئين«فهل بعد كل ذلك يمكن لاردوغان أن يكون رئيسا للبلاد والعباد؟