تعد الحركات الثورية واحدة من أهم الفاعلين الذين برزوا منذ ثورة 25 يناير 2011، وبداية عصر الجمهورية الثالثة، وما تضم تحت لوائها من ائتلافات، غير أنه سرعان ما بدأت فى الأفول التدريجي، بشكل يجعل مستقبل تواجدهم على الساحة السياسية محل جدل، فى ظل تراجع دورها خلال الفترة التى سبقت الانتخابات الرئاسية، على الرغم من تصدرهم المشهد قبل وبعد ثورة الثلاثين من يونيو مباشرة، وبصفة خاصة حركة تمرد، التى استطاعت حشد الجماهير حول مطلبها الرئيس المتمثل فى اجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وهو ما نجحت فيه لاسيما بعد الاحتشاد الجماهيرى حول الحركة ورموزها مما أدى إلى عزل الرئيس محمد مرسى وإنهاء فترة حكم جماعة الاخوان المسلمين لمصر. مسار متذبذب بالنظر إلى الخبرة التاريخية الخاصة بنشأة وتبلور الحركات الثورية فى مصر، يلاحظ أن دور هذه الحركات وما تمثله من قوى سياسية شبابية بالأساس عادة ما يتجلى فى تأهيل المجتمع لفكرة قبول الثورة والقدرة على اقناع الجماهير بضرورة التمرد على الأوضاع غير المرضية، وأنه سرعان ما ينحسر هذا الدور تدريجيا عقب القيام بالثورة، فعلى سبيل المثال تبرز تجربة «حركات مصر الفتاة» قبيل ثورة 23 يوليو 1952، والتى دخلت فى صراعات محتدمة مع الملك فاروق دفاعا عن مفاهيم العدالة الاجتماعية ومحاربة الإقطاع، لكن دورها بدأ فى الاختفاء عقب الثورة، لاسيما مع صدور قرار بحل الأحزاب السياسية. وبالمثل فقد ظهرت قبل ثورة 25 يناير 2011 تنظيمات شبابية قادت قطاعا من الجماهير خلال عام 2004 تمثلت فى حركة «كفاية»، ثم حركة «6 إبريل» خلال عام 2008، استطاعتا معا، وبشكل منفصل أيضا تنظيم الاحتجاجات والمظاهرات بشكل أسهم فى تأهيل المجتمع المصرى للخروج بشكل جمعى خلال ال 25 و28 من يناير، فيما ظهر على الساحة السياسية عقب الثورة ما يقرب من 150 تنظيما ثوريا – وفق بعض التقديرات - ونظرا لإخفاق هذه الحركات الثورية فى بناء أرضية صلبة للارتكاز عليها واعتمادها فقط على التواجد الاعلامى والافتراضي، وعدم تقديمها لرؤى متماسكة لمستقبل النظام السياسى فى مصر، وطرح نموذج بديل للدولة عقب سقوط نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك، بل والاكتفاء بإظهار ردود الفعل على ممارسات من جاء فى السلطة من بعده. تراجع الثقة فقد تراكمت عوامل عدة أدت فى نهاية المطاف إلى فقدان المصريين الثقة فى كفاءة نخبة الحركات الثورية وقدرتهم على إدارة مرحلة ما بعد الثورة ولعل النتيجة التى خرجت بها الحركات الثورية فى الانتخابات البرلمانية الماضية أبرز مثال على ذلك، حيث لم تستطع الحصول على تمثيل نيابى يتواءم مع تصدرها للمشهد خلال الثورة، إذ لم يحصد «ائتلاف الثورة مستمرة» الذى عُد الممثل الأبرز للحركات الشبابية الثورية على المستوى السياسى سوى 9 مقاعد بنسبة 1.5% من إجمالى مقاعد البرلمان، الأمر الذى يعد فى حد ذاته مؤشرا على عجز هذه الحركات عن ترجمة الزخم الثورى وما حققته من شعبية إلى حشد تصويتى لاستغلال آلية التمثيل النيابى كوسيلة لاستكمال الاستحقاقات الثورية التى تطالب بها. وعلى الرغم من عودة الحركات الثورية بقيادة حركة «تمرد» لتصدر المشهد فى 30 يونيو 2013، فإن نتائج عدد من استطلاعات الرأى العام التى أجريت منذ ذلك التاريخ تشير إلى تراجع شعبية هذه الحركات السياسية ورموزها، وهو ما أظهره استطلاع للرأى أجرى خلال الفترة من 10 – 29 إبريل الماضى 2014، من قبل مركز «بيو لاستطلاعات الرأى العام»، ونشرت نتائجه فى مايو 2014، حيث أوضحت النتائج أن حالة عدم الرضا التى تسيطر على 72% من المستطلع آرائهم لم تستثن القوى والرموز الثورية والشبابية، إذ انخفضت نسبة الرضا عن د.محمد البرادعى من 57% عام 2011 إلى 27%. كما انخفضت نسبة الرضا عن حركة «6 أبريل» من 70% فى 2011 إلى 48%. كما انخفضت شعبية حمدين صباحى إلى 35%، بعد أن كانت 48% فى العام الماضى 2013. محددات المستقبل إن ثمة عدة متغيرات من شأنها التأثير على مستقبل الحركات الثورية فى مصر، من أهمها: السيطرة على أزمات البناء الوظيفى لهذه الحركات: فقد تألفت الحركات الثورية ما قبل وبعد الثورة من شباب ينتمى فى غالبه إلى الشرائح العليا من الطبقة الوسطي، وتواصل مع الجماهير بشكل أساسى من خلال العالم الافتراضي، ومواقع التواصل الاجتماعي، وعلى الرغم من رفع نخبتها لشعارات «عيش، حرية، كرامة إنسانية» أى شعارات تمس المواطن العادى فى أهم متطلبات حياته وهمى تحسين مستوى معيشته وكفاله العيش بحرية وكرامة، فإن هذه الحركات ظلت نخبوية وبعيدة عن الجماهير قاعدياً، وغير قادرة على كسب الثقة المجتمعية، إلى أن تفجرت أزمة تمويل هذه الحركات، وما شهدته الفترة الماضية من تسريبات ألقت بظلال الشك حول أبرز رموزها وكوادرها، وتطعن فى كونها حركات ثورية نشأت لتحقيق مصالح الجماهير وليس مصالح من يوفر لها مصادر التمويل، وهو أمر أثر على مصداقيتها لدى الشارع، لاسيما مع صدور قرار بحظر حركة «6 إبريل» والمساءلة القانونية لكوادرها. كما تأتى الانقسامات والانشقاقات التى تشهدها معظم هذه الحركات، لتشير إلى أزمة بنيوية أخرى ليست أقل أهمية، مفادها أن ثمة خلافا فكريا بين أبناء مجمل الحركات الثورية، حيث شهدت البرامج الحوارية فى القنوات الفضائية والمواجهات السياسية فى الصحف الخاصة تراشق أعضاء هذه الحركات، واتهاماتهم المتبادلة لبعضهم البعض، كما اتخذ أبناء الحركة الواحدة مواقف سياسية متباينة، بل ومتضادة فى كثير من الأحيان إزاء غالبية القضايا السياسية المرتبطة بالوطن. نمط العلاقة مع الدولة ومؤسساتها، وفقا للتجربة التاريخية، نشأت الحركات الثورية كفاعليات مضادة لسياسات وممارسات الدولة، وهو ما حدث فى 25 يناير، غير أن 30 يونيو قد دشن لمرحلة جديدة من تحالف هذه الحركات مع الدولة فى مقابل حركات أو بالأحرى تيارات الإسلام السياسي، غير أن ذلك التحالف لم يكن سوى تحالف هش سمح بوجوده مساحة من التوافق بين الطرفين على ضرورة إزاحة جماعة الاخوان من السلطة نظرا لممارسات عدة قامت بها الأخيرة أضرت بالصالح العام، وصبت فى الصالح الخاص للجماعة فقط، الأمر الذى أدى إلى خلخلة هذا التحالف مع أول صدام للمصالح بين الطرفين، ولعل اللغط حول «قانون التظاهر» وما تلاه من مواجهات بين الطرفين أبرز مثال على ذلك. كما يمكن القول إن تحالف الحركات الثورية مع الدولة، وانحياز جزء منها لمرشح الدولة الرئاسى –إن صح التعبير - قد أظهر هذه الحركات لدى البعض وكأنها تساوم على مستقبل سياسى خاص بها، مع تصاعد الملمح البرجماتى فى مواقفها السياسية المعلنة. نجاح المسار الديمقراطي، عقب انتخاب المشير عبدالفتاح السيسى رئيسا جديدا للبلاد، وفق آلية انتخابات حرة، وبنسبة تصويت تكفل له شرعية التواجد فى أعلى سلطة للبلاد، من المتوقع أن يميل المناخ العام فى المجتمع الى الهدوء والانطلاق نحو البناء، وربما البعد عن أنماط السلوك الثورى القائم على إثارة الشارع وحشده للتظاهر، لاسيما فى ظل معاناة اقتصادية للمواطن ناتجة عن غياب الامن والاستقرار، وبالتالى بات على الحركات الثورية تغيير نمط تفاعلها مع المجتمع، وآليات تأثيرها فيه، وربما الاتجاه نحو لعب دور جماعات الضغط الجماهيرى القادرة على مواجهة أى انحراف سياسى فى مسار تحقيق متطلبات وأهداف الثورة. مراجعة فكرية وفى إطار العوامل الثلاثة السابقة، يمكن القول أن مهمة الحركات الثورية فى مرحلة بناء الدولة ليست بالسهلة، فى ظل افتقارها للخبرة السياسية والأيدلوجية الواحدة، واختلاف المصالح، وهو الأمر الذى يحتم عليها اللجوء إلى الانخراط فى العمل السياسى من جديد والاستفادة من تجربتها السابقة ومحاولة تلافى سلبياتها، من خلال القيام بما يمكن تسميته مجازا القيام «بمراجعات فكرية» تتناسب مع المرحلة الجديدة، والاتجاه إما إلى الانضمام إلى أحزاب قائمة أو إنشاء أحزاب جديدة قوية غير متشرذمة كما كان الحال فى السابق، كسبيل للوصول إلى البرلمان القادم، أو تدشين جماعات ضغط للقيام بمهام إصلاحية، إذ إنه من المتوقع أن تجنح هذه الحركات إلى التوارى خلال الفترة القادمة.