رغم تحمس الحكومة الحالية - شأنها شأن الحكومات السابقة - لتحويل الدعم العيني إلي دعم نقدي والجهود الدؤبة التي تبذل حاليا في هذا الشأن إلا أن نفس الحكومة لم تجد أية غضاضة في أن يسدد الأغنياء الضريبة المقترحة بنسبة 5% في شكل عيني!! هذه ليست نكتة. لكنها تصريحات واضحة وصريحة لرئيس مصلحة الضرائب الدكتور مصطفي عبدالقادر الذي قال إن مقترح فرض ضريبة ال5% علي من يتعدي دخله المليون جنيه يمكن أن تكون عينية. فيمكن للمستثمر أن يتبرع للدولة بمشروع هنا أو مدرسة هناك وهو ما يأخذ شكل التبرع وليس الضريبة. ويعلل عبدالقادر تحويل الضريبة إلي تبرع بأن ذلك يمنعها من الذهاب إلي الموازنة وتأتي هذه التصريحات علي العكس تماماً من تأكيدات وزير المالية الدكتور قدري دميان بأن هذه الضريبة سوف تذهب لموازنة الدولة وهو ما يشير إلي عدم اتفاق بشأن الضريبة. كما أن الحديث عن هذه الضريبة وكأنها تبرع علي قرار الإعلان الشهير "تبرع ولو بجنيه" يفرغ الموضوع من مضمونه ويمثل خطورة كبيرة علي طريق التراجع عن فرض مثل هذه الضريبة بعد اعتراض قطاع من رجال الأعمال عليها الطريف أن رئيس مصلحة الضرائب حاول مجاملة الأغنياء أو الشد من أزرهم عندما قال إن ال5% ليست جزءاً من سعر الضريبة كما أنها لا تستهدف الأغنياء فمن يمتلك دخلا يبلغ مليون جنيه ليس من الاغنياء علي حد قوله. وبحسبة بسيطة نجد أن صاحب هذا الدخل يصل راتبه الشهري إلي 83 ألفا و300 جنيه وقد يكون رئيس المصلحة علي حق فصاحب مثل هذا الراتب يدخل في زمرة صغار المليونيرات ولم يصل بعد إلي صفوف الأثرياء والمليارديرات. التناقض بين التصريحات الرسمية في وزارة المالية وصل إلي ذروته عندما قال الوزير إن الوزارة تدرس إخضاع جميع الإيرادات للضرائب ومن بينها الأرباح الرأسمالية وتوزيعات الأسهم وهو ما كانت تدرسه الوزارة السابقة وقبل السابقة. ثم فاجأنا رئيس مصلحة الضرائب بنفي وجود مشروع قانون بفرض ضريبة علي الأرباح الرأسمالية. وتطوع بتفسير حديث وزير المالية عن توسيع الوعاء الضريبي بأنه يعني توسيع دائرة الخضوع للضريبة وليس رفع سعر الضريبة. بما يؤثر سلبا علي الاستثمار. مثل "ضريبة توزيعات الأرباح". مؤكداً عدم وجود تفكير محدد في هذا الشأن حتي الآن. هكذا من جديد تنساب نغمة التأثير السلبي علي مناخ الاستثمار وهروب المستثمرين. ويعلم هؤلاء المسئولون قبل غيرهم أن هذه الحجج التاريخية عفا عليها الزمن خاصة أن هذه النوعية من الضرائب مفروضة في غالبية دول العالم خاصة الدول الرأسمالية ولم يغادرها المستثمرون. وقبل يومين كان يتحدث أحد كبار أساتذة الاقتصاد والعلوم السياسية الأمريكان - أمام المؤتمر السنوي لمنتدي البحوث الاقتصادية بالقاهرة - حول ضرائب الأغنياء ودورها في دعم الخدمات الحكومية المقدمة للفقراء وقال جون رومر الاستاذ بجامعة بال الأمريكية إنه ليس صحيحا أن زيادة الضريبة تدفع المستثمرين للهرب مشيراً إلي أن الأموال ليست كل شيء بالنسبة للأغنياء بل هناك المنزلة الاجتماعية الرفعية التي حصلوا عليها والتي تمثل أحد المكاسب المهمة لهم وجعلتهم يتحكمون في السياسة في مختلف دول العالم. وقال الخبير الأمريكي إن الأغنياء هم من يروجون في وسائل الإعلام وفي أروقة السياسة لقصة التأثيرات السلبية للضرائب علي الاستثمار لمنع أي زيادة في الضرائب عليهم. نعم هذا ماكان يحدث في مصر. ففي كل مرة كانت الحكومات السابقة تنوي فرض ضريبة الأرباح الرأسمالية من أيام وزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالي وحتي حكومة الإخوان ثم الببلاوي كانت أبواق رجال الأعمال تولول علي الاستثمارات التي تهرب من البلد وحتي الحكومة الجديدة "تقدم رجلا وتؤخر الثانية" تحت وقع حملات رجال الأعمال. وحتي بعد أن تعطي وزير المالية الجديد حبوب الشجاعة وتحدث عن ضريبة الأغنياء. وجدناه يتراجع لنسمع أن وزارة المالية تبحث سداد الضريبة بشكل عيني!!